السيسي وابن زايد والشرف الذي لا يستحقانه
الشيخ كمال خطيب
ما أكثرها تلك المواقف والمشاهد التي ترينا حجم التردي والسقوط الذي آل ووصل إليه حال عرب ومسلمين وهم يسجلون لأنفسهم سوابق في الذلّ والهوان، لم يعرفها تاريخ العرب والمسلمين في أسوأ حقب التاريخ التي مرّت.
وفي أوج ذلك السقوط فلعلّها تمر لحظات وفرص يمكن أن يغتنمها هؤلاء لتكون حبل نجاة وإنقاذ لهم، لكنهم سرعان ما يثبتون أنهم يعشقون القاع ولا يجدون أنفسهم إلا هناك. وبعد إذ يضيّعون تلك الفرص، فإنني إذ أقف على موقفين ومشهدين يظهر فيهما الفارق بين الذي كنا عليه وبين الذي صرنا إليه، وليس كلا المشهدين إلا مقارنة في الموقف من الانتصار لرسول الله ﷺ ممن شتموه وتطاولوا عليه أو الوقوف والانحياز إلى جانب من شتموه ﷺ وتطاولوا عليه، والغريب واللافت أن الحدثين المعاصرين قد تزامنا في نفس الأسبوع.
🔵 شرف لا يستحقونه
إنها تلك القصة التي أوردها المرحوم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة خلال تحقيقه لكتاب رسالة المسترشدين للحارث المحاسبي في صفحة 174، فعن يعقوب بن جعفر بن سليمان قال: غزوت مع المعتصم عمورية، فاحتاج الناس إلى الماء، فمدّ لهم المعتصم حياضًا من أدم “أنابيب من جلد” عشرة أميال وساق منها الماء إلى سور عمورية. وكان في خيله ثمانون ألف أبلق وثمانون ألف أدهم.
وكان رجل من الروم يقوم كل يوم على السور ويشتم النبي ﷺ بالعربية باسمه ونسبه! فاشتد ذلك على المسلمين، ولم يكن يصل النشّاب إليه لارتفاع السور رغم محاولات كثيرة.
قال يعقوب: وكنت أرمي رميًا جيدًا، فاعتمدته بنشّابة فأصبت نحره، فهوى من ظهر السور وكبّر المسلمون، فسرّ المعتصم وقال: عليّ بالذي رماه. فأدخلت عليه، فقال من أنت؟ فانتسبت “أي عرّفت بنسبي” فقال: الحمد لله الذي جعل ثواب هذا السهم لرجل من أهل بيتي، أي من بني العباس بانتصارهم لرسول الله وقتل من يشتمه.
قال المعتصم: بِعني هذا الثواب. فقلت: يا أمير المؤمنين ليس الثواب مما يباع. فقال: إني أرغبك. فأعطاني مائة ألف درهم. فقلت: ما أبيع ثوابي بانتصاري لرسول الله ﷺ بالدنيا وما فيها، لكني جعلت لك -أي وهبت لك- نصف ثوابه والله يشهد عليّ بذلك. قال المعتصم: جزاك الله خيرًا قد رضيت. ثم قال المعتصم: فأين تعلّمت الرمي؟ قلت: بالبصرة في داري. فقال بعنيها، فقلت: لا أبيعها ولكني أجعلها وقفًا على من يتعلم الرمي، فوصلني بمائة ألف درهم.
🔹يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: وردت هذه القصة في مخطوطة بعنوان “رسالة في الصيّد والرماية والخيل”. وهي موجودة في مكتبة الحرم المكي رقم 34 في فهرس الأدب.
ويضيف الشيخ أبو غدة: فلله درّ ذلك الملك الذي يجهد كل جهده لشراء ثواب هذا السهم. ولله درّ ذلك الرامي الذي لا يبيع ثواب سهمه بالدنيا وما فيها.
أقلّوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا
ولتدور الأيام ليكون من يسد مكان المعتصم بحرصه على قتل شاتم رسول الله ﷺ وتقديره ومكافأته لمن فعل ذلك وهو يعقوب بن سليمان، وإنما لنجد حكام الإمارات محمد بن زايد ومحمد بن راشد يباركان لأمير منهم اسمه خليفه بن حمد آل نهيان من حكام إمارة دبي وقد اشترى نصف أسهم ملكية نادي كرة قدم إسرائيلي اسمه “بيتار أورشليم” بمبلغ 75 مليون يورو، ما يساوي 300 مليون شيكل.
هذا النادي المشهور بعنصريته لدرجة أنه يرفض أن يلعب ضمن لاعبي الفريق أي لاعب عربي. وحصل قبل سنوات أن أقام مالك الفريق المليونير اليهودي الروسي جايداميك بضم لاعبين مسلمين من الشيشان فجنّ جنون مشجعي الفريق وأصبحوا يشتمون رسول الله ﷺ على مدرجات الملعب حتى اضطر اللاعبان الشيشانيان للاستقالة لرفضهم أن يسمعوا شتيمة تنال رسول الله ﷺ.
هذا الفريق الذي أهازيج مشجعيه عند الفوز ليست إلا شتم رسول الله ﷺ وشتم العرب كقولهم “الموت العرب” و “محمد مات خلف بنات”.
إنه الفارق إذًا بين المعتصم وهو يحاصر عمورية أشهر قلاع الروم وقد سخّر الأموال والميزانيات لضمان انتصار الجيش العرمرم الذي أعدّه، بينما يسخّر حكام الإمارات أموالهم للفتن والإفساد ومحاربة الإسلام ودعم كل من يعاديه.
إنه الفارق بين المعتصم الذي يسعى لشراء ثواب من قتل ذلك العلج الرومي شاتم رسول الله ﷺ بسهمه، بينما حكام الإمارات يشترون أسهم فريق كلهم شاتمون لرسول الله ﷺ.
المعتصم يسيّر جيشًا لاسترداد امرأة مسلمة سباها الروم صيانة لعرضها ويفتح القلاع والحصون لنشر الإسلام، بينما حكام الإمارات يفتحون بلادهم للإسرائيليين حيث يذهبون إلى هناك بحثًا عن بيوت الدعارة والفسق وانتهاك الأعراض.
المعتصم يوقف المكان الذي تدرّب فيه من انتصر وقتل شاتم رسول الله ﷺ وفيه تدرب على رمي السهام والفروسية ليكون مكانًا يتدرب فيه شباب المسلمين، بينما آل زايد وآل نهيان يشترون ناديًا فيه يتدرب أشبال الإسرائيليين على شتم رسول الله ﷺ.
فهل سدّ حكام الإمارات مسدّ المعتصم بالانتقام من شاتم رسول الله ﷺ، أم أن هذا شرف لا يستحقونه؟!
🔵 أنقذني يا محمود
جاء في كتاب “شذرات الذهب في أخبار من ذهب” لابن عماد الحنبلي أن السلطان نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي رحمهما الله تعالى قد رأى النبي ﷺ في ليلة واحدة ثلاث مرات، وفي كل مرة يقول له: “يا محمود أنقذني من هذين الشخصين” مشيرًا إلى شخصين أشقرين أمامه، فاستحضر وزيره قبل الصبح فاستشاره، فقال له الوزير: هذا أمر جلل يحدث في المدينة المنورة ليس له إلا أنت. فتجهز السلطان نور الدين محمود زنكي وخرج على عجل ومعه ألف راحلة وما يتبعها من خيل حتى دخل المدينة على غفلة، فلما زار المسجد النبوي وقبر رسول الله ﷺ فلم يجد ما يثير الانتباه ولم يحدثه أحد بشيء.
🔹أمر السلطان محمود أن ينادي بالناس من أهل المدينة أن يأتوا إليه ليوزع عليهم الصدقات مما حمله معه، وقال: لا يبقى بالمدينة أحد إلا جاء.
🔹أخبره معاونوه أن كل أهل المدينة قد حضروا إلا رجلين من أهل الأندلس مجاورين ينزلان في غرفة بجانب الحجرة الشريفة التي فيها قبر الرسول الله ﷺ عند دار عمر بن الخطاب التي كانت تعرف بدار العشرة رضي الله عنهم.
فلمّا طلب منهما المجيء لأخذ الصدقات قالا: نحن في كفاية وإن الله أغنانا عن الصدقة فأصرّ السلطان محمود أن يأتى بهما، وإذا بهما رجلان أشقران زرق العيون مثل هيئة الرجلين اللذين أشار النبي ﷺ لمحمود بالمنام يقول له يا محمود أنقذني من هاذين.
🔹سألهما السلطان من يكونان فقالا نحن مسلمان من الأندلس جئنا نجاور في المدينة لنظلّ إلى جوار رسول الله حبًا له، فلما أغلظ عليهما بالقول وهدد بالعقوبة أقرّا أنهما من النصارى في الأندلس وقد جاءا لنبش وسرقة رفات رسول الله ﷺ، ووجدهما وقد حفرا “نقبًا” تحت الأرض من تحت حائط المسجد القبلي ويجعلان التراب في بئر عندهما في الغرفة، فضرب السلطان محمود أعناقهما عند الشباك الذي في شرقي حجرة رسول الله ﷺ خارج المسجد ثم أُحرقا ثم ركب السلطان نور الدين محمود راجعًا إلى الشام بعد أن أدى مهمة الانتصار لرسول الله ﷺ وقد استنجد به لانقاذه من العلجين الرومانيين.
ولتدور الأيام لأتذكر هذه القصة ونحن نرى ونسمع تطاول الرئيس الفرنسي ماكرون على الإسلام ودفاعه عن أولئك الذين تطاولوا وسخروا وشتموا رسول الله ﷺ بأقلامهم وألسنتهم ورسوماتهم مبررًا ذلك بأنه يندرج ضمن الحرية الشخصية في التعبير عن الرأي الذي تؤمن به الجمهورية الفرنسية حسب زعمه. ورغم غضب المسلمين على هذا المتطاول وقد أعلنت حركة مقاطعة نشطة للمنتوجات الفرنسية، وكان موقف الرئيس التركي أردوغان مشرفًا بالرد على ماكرون الذي استمر في غيّه عبر التضييق وسن القوانين التي تجرم وتلاحق المسلمين في فرنسا وقد أغلق عشرات المساجد وحلّ عشرات الجمعيات الخيرية.
في أوج هذا الانتهاك من طرف ماكرون والتطاول والشتم لرسول الله ﷺ وإذا بالانقلابي السيسي يقوم بزيارة ورحلة إلى فرنسا ليس للانتصار لرسول الله ﷺ وإنما للمداهنة والنفاق والتزلف والتذلل وهو يقول بأن الرسوم المسيئة استخدمت واستغلت للتحريض على فرنسا وهو ما لا يقبل به، لا بل إنه ومن فرنسا راح يحرض على مسلمي فرنسا وعلى جماعة الإخوان المسلمين قائلًا بأن هذه الجماعة التي نشأت في مصر منذ تسعين سنة، فليس أنها تشكل خطرًا على مصر فقط وإنما على فرنسا وكل أوروبا وأن هذه الجماعة هي من تقف خلف حملة المقاطعة لفرنسا ومنتوجاتها.
انظروا الفارق بين السلطان نور الدين محمود، وكيف يهبّ مستنفرًا لمجرد رؤيا في المنام رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم فيحرك جيشًا يقوده بنفسه دفاعًا عن رسول الله ﷺ وبين السيسي الانقلابي الذي يذهب هو بنفسه إلى البلاد التي تطاول رئيسها على رسول الله ﷺ وبرر شتمه والإساءة إليه، ليقف أمامه ذليلًا مهينًا خاسئًا، بل محرضًا على المسلمين ومدافعًا عن فرنسا ضد حملة المقاطعة لها.
إنه وقف يحرض على جماعة هي من جعلت شعارها وهتافها الذي تربى عليه أبناءها وشبابها “الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا”. هذا الرسول القدوة ﷺ الذي تطاول عليه ماكرون الذي ذهب إليه السيسي ذليلًا مهينًا ليستقوي كل منهما بالآخر على الرئيس رجب أردوغان أول وأوضح من دافع عن الرسول ﷺ.
إنهم حكام الإمارات وإنه حاكم مصر، وفي أسبوع واحد وبدل الانتصار لرسول الله ﷺ وإذا بالعكس يحصل فحكام الإمارات يشترون فريقًا يتفنن أعضاؤه بشتم رسول الله ﷺ، والسيسي هو الذي يذهب إلى فرنسا في أوج محنتها وغضب المسلمين عليها مدافعًا عنها.
فإذا كان الخليفة المعتصم والسلطان نور الدين قد نالا شرف الدفاع عن رسول الله ﷺ فإن محمد بن زايد وحكام الإمارات والسيسي قد وقفوا وساندوا من يتطاولون على رسول الله ﷺ ليصدق فيهم قول الشاعر:
وعاشوا سادة في كل أرض وعشنا في مواطننا عبيدا
وإذا ما الفسق حلّ بأرض قوم رأيت أسودها مسخت قرودا
وإذا كان محمد بن زايد والسيسي وفي نفس الأسبوع يخذلون القدس وفلسطين باستمرار مشاريع التطبيع، يشجعونها ويباركونها ويخذلون رسول الله ﷺ بالوقوف إلى جانب من شتموه وتطاولوا عليه، فإن التاريخ قد سجّل للفاتح صلاح الدين رحمه الله إنه وفي نفس مشواره ومسيرة تحرير القدس وطرد الغزاة الصليبيين منها، وبعد أن سجّل انتصاره في حطين فإنه قد انتصر لرسول الله ﷺ من أرناط علج الصليبيين حاكم الكرك الذي كان يتطاول على رسول الله ﷺ ويشتمه لمّا كان يعترض قوافل الحج، فيقتل الرجال ويغتصب النساء وهو يتبجح قائلًا: أين محمد ينتصر لكم، فوقع في أسر صلاح الدين الذي كان أقسم أن يقتله بيديه انتصارًا لرسول الله ﷺ وهذا ما كان.
إننا إذ نجدد الحب والبيعة لرسول الله ﷺ بالانتصار له ممن تطاولوا عليه، وباستمرار الرباط في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس لا يضرنا من خالفنا ولا من خذلنا. إنه لن يهزنا تسارع المتساقطين مثل تساقط أوراق الشجر الصفراء، لأننا مطمئنون أن شجرة الإسلام ما زالت حية وأنها حتمًا ستبرعم وتورق بل ستزهر وتثمر بإذن الله تعالى. وإذا كنا بالأمس 18/12، في الذكرى العاشرة لبداية ثورات الربيع العربي، وإذا كان المتساقطون المتهافتون هم أنفسهم ممن تآمروا عليها، وهم أنفسهم من يتسابقون للانبطاح عند أقدام نتانياهو فإننا على يقين أننا مقبلون ليس على ربيع عربي وإنما على شتاء إسلامي مبارك وسنظل نردد
سنظل في جبل الرماة وخلفنا صوت النبي يهزنا لا تبرحوا
لا بل إننا نقول:
سنظل في القدس الشريف وخلفنا صوت النبي يهزنا بل رابطوا
وكيف نبرح أيها النبي الحبيب صلوات ربي وسلامه عليك وأنت من أمرتنا بالرباط، وأنت القائل: “لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك: قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
إننا على العهد يا رسول الله، لا نقيل ولا نستقيل وفي رباط حتى يأتي نصر الله وفرج الله وفتح الله أو أمر من عنده سبحانه، ونحن على يقين أنه آت وقريبًا إن شاء الله.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون