العيب في قيادة السلطة الفلسطينية وليس في شعب الجبارين
الإعلامي/ أحمد حازم
صحيح أن الشعب الفلسطيني هو “شعب الجبارين” كما وصفه الراحل ياسر عرفات، وهذا الشعب صاحب القضية رقم واحد في العالم، رغم تعرضه لمؤامرات تصفية من كل الجهات: إسرائيلية وعربية وأمريكية، إلاّ أنه لا يزال صامدًا ويواجه أعداء وجوده بكل قوة. لكن هناك مشكلة أخرى للشعب الفلسطيني وهي قيادته. فهي إضافة إلى الفساد السياسي والمالي الذي يعشعش داخلها، تتعامل مع المواطن من فوقية وقبضة حديدية وتريد تسييره كما تشاء دون سماع رأيه أو الرجوع إليه في حال مواجهة أزمات سياسية أو اتخاذ قرارات مصيرية، كما يفعل رؤساء الدول الحضارية.
وقد يرجع ذلك إلى سببين: فإمّا أنّ القيادة الفلسطينية لا تزال تمارس الأداء السياسي كـ “ثورة” كما كانت في الماضي ولا تعرف كيفية الخروج من هذه الممارسة، وهذا غير منطقي، أو أنها تبنت النهج السلطوي عمدًا كنظام عربي، وهذا أيضًا غير مقبول خصوصًا مع شعب يناضل منذ عشرات السنين من أجل السيادة والحرية.
لا يوجد مواطن في العالم يكره قيادته إلا في حالة واحدة: عندما تعمل القيادة ضد إرادة المواطن، وتتبع سياسة القمع والتسلط وكم الأفواه. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا تعطي السلطة الفلسطينية للمواطن مساحة من حرية الكلمة وإبداء الرأي؟ لماذا تخاف القيادة من النقد البناء؟ هل الفلسطينيون بحاجة إلى بناء سجون ولمن هذه السجون؟ أليس من العيب بناء سجن لزجّ من يقول كلمة لا تناسب الحاكم؟ أليس من العيب (حبس) من يختلف في الرأي مع القيادة؟ لماذا لا يتركون المواطن يعبّر عن رأيه ويتناقشون معه بأسلوب حضاري؟
أستغرب جدًا من وجود جهاز أمني فلسطيني اسمه “الأمن الوقائي” رغم وجود اتفاق أمني مع إسرائيل اسمه “التنسيق الأمني”. إذًا هذا “الأمن الوقائي” هو للوقاية من الشعب وليس من الخارج. لم نسمع أبدًا ولا في أي دولة عن وجود جهاز أمني يعمل ضد الشعب لصالح دولة أخرى محتلة سوى في السلطة الفلسطينية الموقرة. لماذا؟ لا يعقل أن يكون لدى الرئيس العديد من المستشارين ولا يجرؤ أحدهم على طرح موضوع تغيير نهج التعامل مع المواطن. فهل هم جبناء إلى هذه الدرجة أم أنهم يعرفون لو أن أحدهم اقترح ذلك فإنه “حتماً سيطير” ولا أحد يعرف إلى أين؟
القيادة الفلسطينية هي مصيبة كبيرة ابتلي بها الشعب الفلسطيني. وفي الحقيقة هي قيادات التناقض. عندما أعلنوا عن اتفاق التنسيق الأمني لم يرض الشعب عن هذا الاتفاق، وقامت الشرطة الفلسطينية باعتقال كل من يجاهر علنا ضد هذا الاتفاق. وفجأة بعد سنوات عديدة طلعت علينا القيادة ببيان انسحاب من هذا الاتفاق. استبشرنا خيرًا وقلنا: “صار عندهن صحوة ضمير”.
في التاسع عشر من شهر أيار/مايو الماضي أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن “القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير أصبحتا في حلّ من الاتفاقات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها بما فيها الاتفاقات الأمنية… التزاما بقرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”. والسبب الذي دفع عباس إلى اتخاذ هذا القرار (ليس صحوة ضمير) إنما أتى كردة فعل على خطة ترامب المتمثلة في “صفقة القرن”، وخطة نتنياهو “ضم أجزاء من الضفة الغربية”.
الأمر الذي يدعو للسخرية أن قرار عباس بالانسحاب من كافة الاتفاقات الأمنية ليس بجديد كما يعتقد البعض، فقد تم اتخاذ هذا القرار منذ خمس سنين خلال دورة اجتماعات المجلس المركزي لعام 2015 والدورات التي تلتها، كما أكدتها القرارات الصادرة عن الدورة الثانية والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني في رام الله عام 2018، لكن كل هذه القرارات بقيت في أدراج مكاتب القيادة الفلسطينية ولم تر النور، ولا جواب لمن يسأل عن السبب، لأن السكوت في مثل هذه الحالة أفضل من سؤال قد يودي بصاحبه إلى خلف القضبان.
في الثالث من شهر أيلول/ سبتمبر الماضي التقى ممثلون عن 14 تنظيمًا فلسطينيا بما فيهم حركتي حماس وفتح في رام الله وبيروت (فيديو كونفرانس)، وتباحثوا في المستجدات السياسية، وفي الثالث عشر من الشهر نفسه خرجوا علينا ببيان موقّع باسم “القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية”، تعهدوا فيه “بمواصلة النضال حتى دحر الاحتلال”. لكن كل ذلك تم نسيانه بعد شهرين. بمجرد رسالة صدرت عن حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية في السلطة، في 17 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، يتحدث فيها عن عودة الأمور إلى مجاريها مع إسرائيل، بدعوى رسالة جوابية وصلته من منسق الأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. هذا يعني أن القيادة الفلسطينية لم تتحمل البقاء بعيدًا عن الحضن الإسرائيلي، فعادت مطأطئة الرأس تستجدي إسرائيل إعادة اتفاق التنسيق الأمني ولسان حالها يقول: “عدنا واللي بدكو اياه إحنا جاهزين”. مذلة ما بعدها مذلة لقيادة السلطة التي تعودت على الذل، وكان الله بعون الشعب الفلسطيني.