نتنياهو بين حظر الحركة الإسلامية واحتضان الحركة الإسلامية (3)
توفيق محمد
لم تأت القائمة العربية الموحدة بجديد فيما يتعلق بخطاب المواطنة، فقد سبقها إلى ذلك الحزب الشيوعي منذ العام 1948 وحتى إقامة الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة في العام 1977، وهي البديل السياسي الذي استعمله الحزب الشيوعي ليخوض انتخابات الكنيست، وكان أحد مبررات إقامة “الجبهة” كما جاء في كتاب “المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني” نقلا عن الباحث بنيامين نوينبرغر: “إن التوجه القومي للحزب الشيوعي في السبعينات أضر بجمهور الحزب في الوسط اليهودي، ولحل هذه الإشكالية قرر الحزب إقامة الجبهة عام 1977 من خلال لعب كل جسم دوره الانتخابي، حيث يقوم الحزب بالحفاظ على مؤيديه اليهود، وتقوم الجبهة باستقطاب الناخب العربي”.
وكان يوم الأرض وما شهد من حالة مواجهة عنيفة مع السلطة التي كان يقف على رأسها حزب العمل حينئذ، وبه تجاوزت جماهير يوم الأرض حالة الضبط، واصطدمت مع السلطة في حالة مواجهة أسفرت عن استشهاد ستة شهداء، وكما جاء في الكتاب آنفا، فإن هذا الحدث اعتبر “تجاوزا لخط الحزب وأهدافه” فجاء تشكيل الجبهة لإنقاذ الحزب الشيوعي من ورطته، فهي من جانب تلبي الحاجة الوطنية التي تختلج صدور العرب في البلاد، ومن ناحية تبقي للحزب الشيوعي العمل بحرية لدى جمهوره اليهودي، ومن يومها (1977) يحاول الحزب والجبهة التوفيق بين الخطابين: خطاب المواطنة وخطاب الوطن، ليلبي من جانب حاجات مجتمعه المطلبية، ومن جانب آخر يلبي مطلب الحاجة الوطنية التي تسود هذا المجتمع.
غير أن عضو الكنيست ورئيس القائمة المشتركة السيد أيمن عودة منذ انتخب للكنيست، وهو يغلب خطاب المواطنة على خطاب الوطن، ولذلك كان هو أول من قاد مسألة التوصية على غانتس لرئاسة الحكومة، وهي العقبة التي لم يقتحمها عضو كنيست عربي من قبل، وهو من قاد خطاب الحقوق، والميزانيات، والقضايا المطلبية على حساب القضايا الوطنية، إلى أن سبقه عضو الكنيست ورئيس القائمة العربية الموحدة الدكتور منصور عباس في هذه المسألة، وأصبح تحت عباءة أننا لسنا في جيب أحد ينسق مع حزب الليكود، ومع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهنا تحول عودة إلى الخط التقليدي للجبهة الذي يحاول أن يوازن بين الحالتين، والذي يتبنى خطاب المساواة لأهل الداخل على اعتبار أنهم مواطنون في دولة إسرائيل، وحتى أكون منصفا فإن أحد قيادات الجبهة الوطنيين، قال لي في حديث معه إن حوارات معمقة في الجبهة، ومع أيمن عودة أعادته إلى الخط التقليدي للجبهة، لكنني أعتقد أن المزايدة على القائمة العربية الموحدة التي يقودها الدكتور منصور عباس ليست بعيدة عن قرار أيمن عودة، وربما في صلبه، يضاف إليه ما أوردته آنفا نقلا عن زميل الجبهة إذ أن الخط الذي قاده عودة لقي معارضة واسعة في الجبهة.
الدكتور منصور عباس، كما سبق وقلت ليس فردا اتخذ قرارا فرديا، وإنما هو يمثل خطا سياسيا مدعوما من مرجعيته السياسية والتنظيمية، ولذلك فإن النقاش ليس مع شخصه هو بقدر ما هو مع ما يطرح من خط سياسي مستهجن في السياسة العربية لدى تعاملها مع مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية أي مع الكنيست والحكومة، وربما أقل مع مفاصلها الإدارية، لأن هذه الأخيرة بعيدة عن عدسات الكاميرا، وتمكن كل أعضاء الكنيست من العمل معها دون تعرضهم للإحراج، وان ذكر الدكتور منصور بالإسم في هذه المقالة وغيرها ليس لشخصه بقدر ما لأنه هو من يمثل الخط ويقوده ليس إلا.
الخط السياسي الذي يمثله الدكتور منصور عباس يدعي “لقد ذهبنا إلى الكنيست لكي نعمل وليس لكي نصرخ من على منبر الكنيست فقط، وليس من أجل أن نتواجه مع الحكومة وأعضائها، وإن الجمهور الذي ارسلنا إلى هناك ينتظر منَّا “نتائج” ويقول لمنتقديه قل لي ماذا تريد ولا تقل لي ماذا لا تريد.
مع أنني أعتبر أن الخطيئة الكبرى هي القبول بالذهاب أصلا إلى الكنيست من قبل من يتبنى الخط والاتجاه الإسلامي لأنه على عتبة الكنيست سوف تسقط الكثير من المسلمات والمبادئ والثوابت، وفي داخلها سوف تصوت لصالح قانون يدعم المساواة للشواذ في الوقت الذي تصيح فيه من على كل منبر أن مسالة الشواذ هي من المسائل المبدئية التي على صخرتها قد تنقسم المشتركة، سأعود إلى هذا لاحقا، ولكن على كل حال فان أعضاء الكنيست من الأحزاب العربية قد حاولوا دائما التوفيق بين بين خطاب “المواطنة” وخطاب “الوطن” أو “الوطنية” إن شئت، نجحوا حينا وأخفقوا أحيانا، لكنهم بقوا في هذه الدائرة، لكن في حالة القائمة العربية الموحدة فإنه على ما يبدو قد تم حسم مسالة المواطنة والوطن، وأنه لا بد من التعامل مع الدولة على أساس المواطنة التي يعتقدون أنه تشتق منها كل حقوق المساواة، وهذا يأتي عبر ليس فقط المطالبة بهذه الحقوق كما فعلت ذلك كل الأحزاب العربية من قبل، إنما عبر “يستغلنا ونستغله” وعبر الغزل السياسي مع حزب الليكود ورئيسه، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وعبر جلد الذات وامتداح الشرطة وعملها في بلداننا علما أنها المسؤول الأول عن تفشي الجريمة والعنف في مجتمعنا، ليصل الأمر بقائد الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي ليقول “علاقتنا مع السلطات المحلية العربية أصبحت أعمق والمواطن العربي يتقبلنا أكثر” وسلفا أقول إن الدكتور عباس لم يدع صراحة لقبول الجبهة الداخلية والجيش في أوساطنا، ولكن النهج الذي يمارسه بات يبرر الانسياب والتدهور نحو كل ما كان محرما.
وسيرا على هذا الغزل بدأت تصل إلى الإعلام بيانات الدكتور منصور عباس التي تمتدح قرارات ومشاريع قوانين أقرت في الكنيست على شاكلة “المصادقة على قانون المساواة خطوة بالاتجاه الصحيح”، وهو يعتقد أنه بهذا الغزل قد يستميل من يمتدحهم لمزيد من “الإقبال” على “منح” الحقوق لمجتمعه، ونحن نعلم أننا في هذه المسألة، تحديدا مسألتنا نحن، تتعامل معنا الدولة كمؤسسة، وليس كائتلاف ومعارضة يمكن من خلالها اقتناص بعض الحقوق، وليس أدل على ذلك من قانون المساواة الذي سأعود إليه لاحقا.
قد يقول قائل إن خطاب المواطنة لم يبخس من خطاب الوطن لدى القائمة العربية الموحدة أو من ابتعثته للكنيست، وهي الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ حماد أبو دعابس، ولذلك فإن مشاريع الإغاثة والمقدسات وغيرها مستمرة وقائمة، لكن هذا البعض نسي أن هذه المشاريع قائمة بنكهة إسرائيلية ومضبوطة بإيقاع الكنيست.
أمّا فيما يتعلق بقانون المساواة الذي أقرّته الكنيست أمس الأول بالقراءة التمهيدية، فقد جاء في بيان الدكتور منصور عباس بشأنه ما يلي: “وصف النائب د. منصور عباس رئيس القائمة العربية الموحدة- الحركة الإسلامية، المصادقة بالقراءة التمهيدية على اقتراح قانون أساس “كرامة الإنسان وحرّيته- تعديل على قانون الحق في المساواة بين جميع مواطني الدولة وبدون تمييز”، بأنه “خطوة في الاتجاه الصحيح، على الرغم من أن التعديل يشمل فقط المساواة الفردية، ويتنكر للمساواة الجماعية القومية لنا كمجتمع عربي يحيا في وطنه”.
وأكد النائب منصور عباس “سنستمر في دعمنا للقوانين التي تعزز مكانتنا، وفي تدافعنا ورفضنا للقوانين التي تميز ضدنا وسنتحداها بالممارسة العملية، وعلى رأسها قانون القومية، وسنستمر في فرض أنفسنا من خلال مشاركة سياسية فاعلة ومبادرة تُحدث تغييرًا عميقًا في مكانتنا القومية والمدنية”. انتهى الاقتباس.
أمّا عضو الكنيست أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة فقد عقب عليه بالقول: “سن قانون المساواة هو خطوة سياسية مهمة لأبناء شعبنا. صحيح أن الحديث ليس عن المساواة القومية ولكن ممنوع التقليل من أهمية الخطوة، وهي المساواة بين كل مواطن ومواطن بغض النظر عن انتمائه القومي أو اللوني أو الجنسي …”.
وغني عن التبيان أن اقتراح القانون هذا قد وضعه عضو الكنيست عن “كاحول لفان” ايتان غينزبورغ وهو من داعمي الشواذ بل هو أحدهم، وقد وضعه بدل قانون المساواة الذي اقترحته عضو الكنيست هبة يزبك الذي أسقطته الكنيست في اليوم ذاته، وبالمختصر فإن قانون غينزبورغ الذي يمتدحه عضوا الكنيست عباس وعودة ليس قانون مساواة قومي، ولن يغير شيئا في قانون القومية، ومن ضمن بنود هذا القانون أنه يحق للشواذ أن يتبنوا أطفالا أي أن الرجل والرجل يصبحان أسرة و”والدين” أو “والد” و “أم” لا أدري كيف أصفهم!!! لطفل مُتَبَنَى وكذلك المرأة والمرأة (السحاقيات) يصبحن أسرة و”والدين” او “أُمَّيْن” أو (والد!!) و(أُم) لطفل مُتَبَنَى.
ولذلك قلنا ونقول إن اجتياز عتبة الكنيست من أصله سيودي فاعله في طرق ليست طرقه، ولا هو من داعميها، ولا هو من مؤيديها، ولكنها قصة الديك الذي منعه صاحبه أن يصيح فجرا، ثم أمره أن “يقاقي” كما تفعل الدجاجة، فلما قبل مرغما بالاثنتين أَمَرَهُ صاحبُهُ أن يبيض كما تبيض الدجاجة، ولن يستطيع ذلك طبعا، فقال ليتني لم أستجب منذ البداية وبقيت أصيح فجرا بدل أن “أقاقي” وليفعل صاحبي ما بدا له. ألا ليت قومي يعلمون…