من نور الحبيب صلى الله عليه وسلم
د. إيمان عبيد
عن قيس بن سعد قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا، فقال: «السلام عليكم ورحمة الله» – قال: فردّ سعد خفياً. قال قيس: قلت: ألا تأذنُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سعد: ذرهُ حتى يُكثر علينا من السلام.
فقال صلى الله عليه وسلم: «السلام عليكم ورحمة الله» – أي: ثانياً -. فردّ سعد خفياً. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «السلام عليكم ورحمة الله» – أي: ثالثاً.
فرجع رسول الله صلى الله واتبعه سعد، فقال: يا رسول الله قد كنتُ أسمع تسليمك وأردُّ عليك رداً خفياً، لتكثر علينا من السلام..
فإن سعدا كان يتظاهر بعدك رد السلام ويرده خفية لطرب أذنه عند سماع لحن صوت الحبيب صلى الله عليه وسلم فتترنم أوتار قلبه على هزات حنين لا يدركه إلا من رشف من كأس حب الحبيب عليه أفضل الصلاة والتسليم، فتعم السعادة سائر فرائص جسده راقصة بسماع المزيد من هذا اللحن والطرب، فالقلوب هنا هي التي تسمع قبل الآذان..
إنه نور يسطع حتى يومنا هذا ويهب علينا نسائم رحمة وود وشوق للحبيب، لأولئك الهائمين في حب الحبيب صلى الله عليه وسلم، أولئك الذي تطير أرواحهم في كل عام مع الراحلين إليه إلى حيث نور المدينة واليثرب، حيث الروضة الخضراء التي يصل بروحه إليها من هيامه لتسمو هناك مع الزائرين المعتمرين وحجاج بيت الله الحرام، فإذا بأقرانهم يخبرونهم بأن رأيناكم في المسعى أو عند المطاف؛ كيف هذا؟ إنه اخلاص النوايا وهو في قعر بيوتهم، وشوق القلوب للحبيب صلى الله عليه وسلم…
يزداد شوقنا شوقا إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم ويرتسم في كل يوم مخيلة جديدة للروضة وجمالها وللنور الذي هناك وسطوعه، ولشكل الدنيا التي يرقد فيها الحبيب، أما عن ذلك الهواء فلا بد أن يكون له نسمة مغايرة ورائحة مختلفة وتهب معه راحة وطمأنينة، ورحمات من رحمات الحبيب، أما عن القرب من هناك فلا تقوى عقولنا على التفكير في هذه الحدود..
فقلوبنا وعقولنا الصغيرة لا تحتمل…
فلا لوذ إلا بالدموع فإن المآقي تجيد التعبير، ولا مناص إلا الدعاء فبه يتذلل كل الصعب والعقيم…
لا تجزع يا قلب فليس الوصال دليل الحب وإنما انشغال القلب بالحبيب مع البعد ذاك أكبر الأدلة أقواها.