في مصر السيسي.. الصحافة جريمة والتغطية الميدانية جنون
نزلت سارة، وهي صحفية مصرية شابة، من سيارة الأجرة برفقة زميلها المصور الصحفي أمام مقر شركة للتأمين، لتغطية احتجاجات الموظفين ضد قرارات جديدة لوزير قطاع الأعمال هشام توفيق، لتفاجأ برجل ضخم الجثة -علمت لاحقا أنه رجل شرطة في زي مدني – يطلب الاطلاع على هويتها، ثم طالبها بالابتعاد عن المكان حينما علم أنها صحفية.
وبالقرب من مقر الشركة في الجيزة غرب القاهرة، كانت صحفية أخرى هي أميرة تقف في شارع جانبي لتجري تقريرا مصورا تستطلع خلاله آراء المواطنين عن أسباب انخفاض المشاركة في انتخابات الشيوخ، فتكرر معها ما جرى لزميلتها.
أما كمال فتعرض للضرب من قبل مجهولين ومعه زملاؤه الصحفيون في منطقة المعادي جنوب القاهرة خلال متابعة لواقعة سحل وقتل فتاة أثناء سرقتها، وجرى الأمر على مرأى من الشرطة التي لم تحرك ساكنا، مما دفعه وزملاءه للاعتقاد بأنهم بلطجية يأتمرون بأمر الضباط، حتى لا تبدو الشرطة هي التي تمنع وتعتدي، فيما بات يعرف في السنوات الأخيرة بظاهرة “المواطنين الشرفاء”.
ورغم ذلك يعد كمال وزميلتاه محظوظين نسبيا مقارنة بصحفيين آخرين جرى اعتقالهم فترات متفاوتة، أثناء تغطيات ميدانية لمظاهرات خرجت في سبتمبر/أيلول الماضي في المنيب جنوب الجيزة، والأقصر جنوب مصر للمطالبة برحيل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.
ومُنع التصوير أو التغطية داخل أو خارج كثير من اللجان الانتخابية خلال الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الجارية، فلجأ صحفيون ميدانيون إلى الذهاب معا بشكل جماعي، والمثير أن معظمهم يعملون في مواقع وصحف مقربة من أجهزة أمنية، بحيث يكون موقفهم أقوى أمام السلطات لتسهيل التغطية أو لمنع الاعتقال.
سيناريو مكرر
وعادة ما يؤمن الصحفيون أنفسهم تجاه الشرطة أثناء تغطية الاحتجاجات بإفراغ محتويات هواتفهم المحمولة من كل ما يثير ريبة الأمن خصوصا من تطبيقات التواصل الاجتماعي، لكي تكون هواتفهم وسيلتهم الآمنة للتصوير إن وجدوا زاوية بعيدة ومأمونة للتصوير، مع أخذ الحيطة عند أخذ تصريحات من مواطنين، ليكون عليهم بعدها الفرار سريعا قبل انتباه الشرطة.
ويشيع أثناء الاحتجاجات اندساس عناصر سرية من الأمن في زي مدني، وبواسطة هؤلاء سُجن صحفيون ميدانيون مثل الصحفي إسلام الكلحي، المحرر بموقع درب الإخباري، أثناء تغطية احتجاجات أهالي المنيب، إثر مصرع أحد أبناء المنطقة جراء التعذيب بقسم الشرطة قبل نحو شهرين.
ونفس السيناريو تكرر مع الصحفية بسمة مصطفى التي ذهبت إلى الأقصر لتغطية احتجاجات مواطنيها على مصرع عويس الراوي أحد أبناء المدينة على يد ضابط شرطة.
فور نزول بسمة من القطار استوقفها شرطي علم بهويتها الصحفية، ثم شعرت بتتبع لصيق من أفراد أمن في محطة السكك الحديدية، وسرعان ما جرى توقيفها، ليُغلق هاتفها عقب كتابة تدوينة بما تتعرض له، واختفت ليومين قبل عرضها على النيابة لتقرر حبسها 15 يوما على ذمة التحقيقات، ثم أخلى سبيلها لاحقا بضغوط من منظمات حقوقية دولية.
والتهم التي جرى توجيهها للصحفيين الموقوفين غالبا ما تكون الانضمام لجماعة محظورة، ونشر وإذاعة أخبار كاذبة، وإساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن جانبها طالبت لجنة حماية الصحفيين بالتوقف عن اعتقال الصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات، وطالبت بـ “السماح للصحافة بالعمل دون خوف من السجن”.
ومؤخرا، أطلقت السلطات سراح عوني نافع الذي كان قد اعتقل من مقر الحجر الصحي للعائدين من الخارج، وقيامه ببث مقطع مصور على صفحته الشخصية بفيسبوك ينتقد فيه وضع الحجر الصحي.
إقدام أم إحجام؟
في هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي كارم يحيى إن الحاجة لصحافة ميدانية مهنية أضحت ضرورة أكدتها الاحتجاجات الأخيرة في الريف كواجب مهني لتغطية احتجاجات القرى والمناطق المهمشة، لنقل ما يجري بأمانة والسعي لفهمه وتحليله.
وفي صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، طالب يحيى الشباب بعمل كل ما يمكن رغم مصادرة السلطة للعمل الصحفي منذ سنوات، وضرورة التفكير في مبادرات مثل زيارات جماعية لمجموعات في الأماكن التي تشهد احتجاجات لنشر المعلومة الدقيقة الموثقة، ولو تطلب الأمر اللجوء لصفحات التواصل لنشر خلاصة التغطيات.
لكن الناشط والصحفي حازم حسني كان له رأي مختلف، حيث طالب الصحفيين بالتوقف عن العمل الميداني بل والصحفي عموما، وإعلان ذلك بشكل محدد من قبل الصحفيين على صفحاتهم ومواقعهم، باعتباره صورة من صور الاحتجاج الصامت على ما يجري بحق العمل الصحفي.
وفي منشور على موقع فيسبوك، قال حسني إنه من الضروري أن يتم ذلك بالتزامن مع قيام المواقع والصحف المستهدفة بالحجب، ولها صحفيون معتقلون، بتثبيت صورة للصحفي المحبوس على صفحتها الرئيسية مع شعار يفيد أن وقف العمل الصحفي الميداني سببه عجز الصحفيين عن العمل، وأنهم لا يجدون من يدافع عنهم بعد سيطرة النظام عليها.
وأقر حسني أن ما دفعه لهذا الاتجاه ـالذي يطرحه مضطراـ هو أنه في كل الأحوال يوقف الصحفيون ويتم اعتقالهم أثناء تأدية أعمالهم، ولو عادوا سالمين بالتغطيات المناسبة فمواقعهم محجوبة، ولو كتبوا على صفحاتهم الشخصية خلاصة تغطياتهم، فهم معرضون للاعتقال أيضاً.
اعتزال الصحافة
ومن المعتاد أن ينهض بالعمل الميداني صحفيون شبان ما زال بعضهم تحت التدريب أو أنهم معينون بشكل مؤقت وما زالوا ينتظرون الحصول على عضوية نقابة الصحفيين التي تعد المظلة الوحيدة للصحفي، ويواجه مجلس النقابة انتقادات حادة حينما يعلن خلو مسؤوليته عن اعتقال صحفي يتبين أنه لم يحصل على عضوية النقابة بعد رغم أنه يعمل لصالح مؤسسة صحفية قائمة.
وقد اعترف وكيل نقابة الصحفيين السابق خالد البلشي -في منشور بصفحته الشخصية بفيسبوك- بالمعاناة من رحلة طويلة من محاولات إخراج زميله المحرر الكلحي، لازمه فيها إحساس الذنب للإصرار على “الاشتغال بمهنة حولوها إلى جريمة” وطابور طويل من الضحايا والمحبوسين.
كما قال عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل إنه مع كل حالة لحبس صحفي يقال إن الصحافة ليست جريمة، لكن هذه المرة الواقع التي جرى فيها اعتقال الكلحي تثبت أن في مصر الصحافة أصبحت جريمة.
وفي منشور له بفيسبوك تابع كامل “لن يفارقني ما حييت صوت الكلحي وهو في سيارات الترحيلات عقب خروجه من النيابة في طريقه إلى محبسه مع باقي زملائه الصحفيين المحبوسين وهو يقول: النقابة النقابة”.
وأعلن عن عجز وقهر وقلة حيلة أمام حالة جنون وقانون مغيب عند عمد، مضيفا “أخرجوا زملاءنا ولا نريد صحافة، آسفين”.
المصدر: الجزيرة