الإعلامي أحمد حازم
الدولة الفرنسية بشكل عام تمارس سياسة مزدوجة إزاء الإسلام، فظاهرياً تدّعي بأن التعامل مع المواطنين يتم يشكل متساو، لكن ما يتعرض له الإسلام والمسلمون في بلد نابليون بونابرت الذي يقول التاريخ إن عكا قهرته، يؤكد عكس هذا الإدعاء. والتاريخ الحديث ولا سيّما في السنوات الثلاثين الأخيرة مليء بالأحداث التي تتحدث عن إهانة الإسلام والنبي الكريم والقرآن الكريم.
التدخل في الدين الإسلامي ومحاولات ضربه في فرنسا ليست جديدة، فقد دأبت فرنسا، منذ أواخر القرن الماضي، على التدخل في أمور الإسلام في فرنسا، ومحاولة خلق إسلام جديد فيها، لكن كل هذه المحاولات فشلت، فقبل 23 عاما وبالتحديد في نوفمبر/ تشرين الثاني 1997، طالب وزير الداخلية الفرنسي، جون شوفينمون، بتأسيس مؤسسة فرنسية مهمتها فرنسة الإسلام، أي تقديم إسلام للفرنسيين على الطريقة الفرنسية، بمعنى لتفصيل نسخةٍ فرنسيةٍ من الإسلام. هذه المحاولة لاقت فشلاً ذريعاً من مسلمي فرنسا. لكن محاولات ضرب الإسلام وتوجيه الإهانة إليه بقيت مستمرة بطرق مختلفة وتصريحات ماكرون خير دليل على ذلك.
الرئيس الفرنسي يدّعي بأن فرنسا لا تستطيع محاكمة المتعاملين بالرسوم المسيئة للإسلام، لأن فرنسا تؤمن إيماناً قوياً بما يسمى باللغة الفرنسية “Laicite”، أي “العلمانية” كما نصت عليه المادة الأولى من الدستور الفرنسي، بمعنى أن ماكرون يتحدث عن ضمان حرية الرأي والتعبير وأن القانون الفرنسي واضح في ذلك على اعتبار أن كل شخص له الحق في التعبير عن رأيه ولا أحد يمنعه من ذلك. وهذا يعني أن الدستور الفرنسي كما يقول ماكرون، يعتبر أن التطاول على الإسلام والسخرية من الرسول الكريم في فرنسا “حرية تعبير”. لكن هذا القانون يتوقف ولم يعد له سريان مفعول عند حدود الصهيونية واليهودية فهما من المحرمات وحالة خاصة لا تندرج في إطار حرية التعبير. فلماذا هذه الازدواجية؟ أم أن القانون الفرنسي يستثني الصهيونية واليهودية من حرية التعبير؟
الازدواجية في التعامل واضحة كل الوضوح؟ الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي أصدر بياناً بعد مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان نشرته صحيفة لوموند الفرنسية بعنوان “معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان” وكان هذا البيان بداية صدام جارودي مع المنظمات الصهيونية التي شنّت حملة ضده في فرنسا والعالم، فتحول جارودي بعد هذا الموقف من ضيف دائم على المحطات الإذاعية والتلفزيونية في فرنسا وأعمدة الصحف فيها، إلى شخصية قاطعتها الصحف اليومية الفرنسية. وفي عام 1998 أدانت محكمة فرنسية جارودي بتهمة التشكيك في محرقة اليهود في كتابه “الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل”، حيث شكك في الأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا في غرف الغاز على أيدي النازيين. وصدر بسبب ذلك ضده حكماً بالسجن لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ.
وما حدث مع جارودي، حدث أيضاً مع المفكر الفرنسي روبير فوريسون لنفس السبب. ففي الرابع عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2006 أعلن وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي، في مقر الجمعية الوطنية “أن الحكومة الفرنسية ستلاحق فوريسون استناداً لما أدلى به من تصريحات في الخارج بشأن المحرقة اليهودية”. وكانت محكمة جنح في باريس قد أصدرت في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه حكما بالسجن ثلاثة أشهر مع تعليق التنفيذ في الموضوع ذاته، وتم طرده من الجامعة الفرنسية.
إذاً من يبدي رأياً معيناً في فرنسا حول قضية المحرقة يتم سجنه، بمعنى أن جارودي لم ينكر المحرقة بل شكك في الأرقام، حتى التشكيك في الأرقام محرّم ويخالف حرية التعبير، لكن إهانة الرسول الكريم مسموح بها وهي حرية تعبير.
حادث قتل وقع في مدينة نيس الفرنسية ذهب ضحيته امرأة ورجلان، وهي ليست من الحالات النادرة، إنما من الحالات الإجرامية المنتشرة في فرنسا، والتي تتولى الشرطة التحقيق في ارتكابها، والغريب في الأمر أن الشرطة الفرنسية أعلنت على مزاجها، أن القاتل كان يردّد “الله أكبر” وهو ينفذ جريمته النكراء، علماً انه وقت ارتكاب الجريمة لم تكن الشرطة موجودة حسب المعلومات المتوفرة.
حتى أن ماكرون نفسه سارع فوراً للذهاب إلى مكان الحادث وأجج مشاعر الكراهية ضد المسلمين من خلال إسناد ارتكاب الجريمة إلى الدين الإسلامي سلفاً. ولنفترض أن الفاعل هو مسلم فالقانون يعاقبه على فعلته ويأخذ جزاءه، لكن القانون لا يسمح بالإساءة إلى دين بأكمله لمجرد ارتكاب شخص ينتمي إليه جريمة معينة، لكن “القصة مش على رمانة بل على قلوب مليانة”.
الرئيس الفرنسي ارتكب حماقة في سلوكه إزاء الإسلام، فهو أجّج الكراهية بين شعبه ضد المسلمين، وأيضاً أجّج مشاعر الغضب والحقد ضده شخصياً من قبل المسلمين ليس في فرنسا فقط بل، وفي العالم أجمع بسبب تصريحاته الرعناء.