معركة الوعي (39).. الساقطون في مستنقعات المخازي من بيان الحزب الشيوعي الإسرائيلي إلى بيان المياه العكرة!
حامد اغبارية
من واجبنا أن نلفت الانتباه، ومن حقنا أن نسأل بداية: أين اختفى البيان الصادر باسم الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي تجاوز فيه كل حدود الأدب والأخلاق، وكشف فيه عن مكنونات صدور قيادات متنفذة داخل الحزب لا همّ لها إلا محاربة كل بقعة طاهرة في فضائنا الفلسطيني والعربي والإسلامي؟ لماذا حُذف من صفحة الجبهة، واستُبدل ببيان سكرتير الجبهة منصور دهامشة، الذي سنتطرق إليه في سياق المقال؟
كان بيان الحزب الذي جاء تحت عنوان: “الحزب الشيوعي والجبهة: لا للقتل باسم الدين وفرنسا تحصد الأشواك التي زرعتها في سوريا” موجودا على الصفحة حتى يوم الثلاثاء، وفجأة حُذف واستبدل ببيان لمنصور دهامشة… فما الذي جرى يا تُرى؟!!
نحن نعلم ما يدور داخل الحزب. ونعرف التيارات المتصارعة داخله، ونعرف أكثر كيف تُدار الأمور، ومن الذي يديرها، بل ونعرف الشخصية التي كتبت ذلك البيان السيء، وإذا اقتضت الضرورة سنكشف عن اسم تلك الشخصية، التي أبت إلا أن تحشر اسم سوريا في البيان، حتى أصبحت المسألة أشبه ما تكون بذلك الرجل الذي توجه إلى صحيفة لنشر إعلان نعي، وكان ثمن الإعلان يُحسب على الكلمة، ولما بقي في الإعلان مكان لبضع كلمات، طلب المعلن من الصحيفة أن يضيفوا في الإعلان “مصلّح ساعات”!! لأنه فقط بهذه الطريقة يمكن فهم حشر اسم سوريا في البيان. بل إن حشر سوريا فيه إشارة إلى كاتبه. وحاولوا أن تستحضروا في أذهانكم: من هي الشخصية الشيوعية التي تُكثر من “الشدّ على حالها والزعيق إلى درجة خروج الزبد من شدقيها” عند الحديث عن سوريا، الذي لا يخلو عادة من الهجوم على كل ما هو إسلامي، وكل من له علاقة بمناهضة نظام السفاح بشار الأسد؟!!
في الحقيقة لم أقرأ بيانا للحزب فيه من الوقاحة والسقوط والعمى السياسي والضحالة الفكرية والسطحية والانحدار الأخلاقي مثل ذلك البيان الذي يدعو إلى التقيؤ والاشمئزاز!! (أتحدث عن بيانات لا عن مقالات، لأن إعلام الحزب مليء بالمقالات من ذات المستوى).
لقد كشف الحزب (للمرة المليون) عن حقيقته المعادية لكل ما له علاقة بالدين. لا تستعجلوا! فعندما نقول” الدين” فالمقصود فقط هو الإسلام، وإلا فإن الحزب من رأسه إلى أخمص قدميه غارق في الطائفية، وهو أساسا قائم على الكوتة الطائفية، وأجندته الطائفية معروفة لأصغر طفل يلعب البنانير في حي السوق في الناصرة أو شارع عباس في حيفا. وهذا الكلام لا ألقيه جُزافا، بل عليه شهود وشهادات من داخله، وعليه شواهد وقرائن من الممارسة.
لم أتوقع أن يتحول الحزب فجأة، بعد كل هذا التاريخ الطويل المعادي للإسلام، إلى مدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام، ولا أحد يريد منه ذلك، ولكن أن يصل الأمر إلى أن يتجاهل، بكل صلافة وغباء وحقد دفين، الإساءة الفرنسية للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ويخصص بيانه للحديث عن “القتل باسم الدين”، فهذه قمة الوقاحة، التي تستكثر على المسلم أن يغضب لدينه ولنبيه صلى الله عليه وسلّم، وتريدنا دجاجا وأرانب لا ننشّ ولا نهشّ، ننتظر الذبح متى شاء الجزار!! ولعله من المفيد أن نذكّرهم كيف مارسوا القمع الجسدي والتهديد الشخصي على مخالفيهم أيام عزّهم، حينما كان يتجرأ أحدٌ ويناقش (ولا أقول يسيء) أحد قيادات الحزب….. (وعندي من هالقصص مجلدات).
والسؤال: إذا كان الحزب يعارض القتل باسم الدين، فهل هو مع القتل ولكن ليس باسم الدين؟؟ إذا نفى ذلك فهو يكذب، وإلا فإنه لا يحق له أن ينطق ببنتٍ شفة، لأن سجلّه المؤيد للقتلة والسفاحين (الذين يقتلون ليس باسم الدين) حافل ومليء حتى الثمالة. حتى الثمالة!! أيها السادة… الثمالة التي تعرفها بعض القيادات المتنفذة في الحزب، والتي بأسلوبها الغبي وحقدها الأعمى، ستقوده إلى الهاوية وتهرق ما تبقى له من بعض ماء الوجه…!
لم يكن جوزيف ستالين مسلما يوم قتل عشرات الملايين، غالبيتهم من المسلمين، ليثبّت مؤخرته على كرسي الحكم الاتحاد السوفييتي البائد. ولم يكن ماوتسي يتونغ عابدَ الحرمين يوم قتل عشرات الملايين معظمهم مسلمون ومن بينهم معارضون للنظام. والنظام الصيني اليوم ليس إسلاميا وهو يسفك إلى الآن دماء المسلمين الإيجور ويبطش بهم ويمنعهم من حقهم في ممارسة العبادة، وهو النظام الدموي الذي سفك دماء أبناء شعبه في ميدان تينيانمن لمجرد مطالبتهم بالحرية، ولا النظام الدموي في بورما الذي يخوض حرب إبادة ضد مسلمي الروهينغيا، ولا بول بوت الكمبودي الذي ذبح ثلاثة ملايين من أبناء شعبه، ولا كلاب الصرب الذين قتلوا مئات الآلاف في البوسنة واعتصبوا آلاف النساء… وقائمة مجرمي التاريخ من شيوعيين وغيرهم لا نهاية لها. وكل هؤلاء قتلوا بغير اسم الدين، لكنهم قتلوا وذبحوا وانتهكوا الأعراض باسم “دينهم” الأممي” تارة، وباسم “دينهم” الرأسمالي” تارة أخرى…
ولكن… لنتوقف لحظة.
الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي يرفض “القتل باسم الدين” هو هو الذي ساند مجرم العصر بوتين الذي احتل الأرض السورية باسم الدين، وبمباركة الكنيسة الأرثوذكسية، التي أعلنتها “حربا مقدسة باسم الربّ”. ولا أعرف أي ربٍّ يقصدون! بل أعرف!! فهل يستطيع الحزب أن ينكر هذا؟؟!!
يقول الحزب في بيانه: “فجوهر رسالة الدين هو ثورة على الظلم ومن أجل العدالة”.!! ممتاز! رائع!! جميل!! فهل غضبُ المسلمين بسبب الإساءة لنبيّهم وشعورهم بالظلم من طرف فرنسا يمكن اعتباره ثورة ضد الظلم؟ أم أن المسألة تتوقف على من يثور، فإن كانوا مسلمين فإنهم متعصبون إرهابيون، وإن كانوا كوبيين مثلا، أو فنزويليين، فإنهم ثائرون ضد الظلم؟؟ وهل جاء الإسلام إلا لتحقيق العدالة؟ أليس من العدالة أن يوقف كل متطاول مسيء عن حدّه؟ أم أن العدالة التي يقصدها البيان هي تلك التي تحققها محاكم التفتيش وأنظمة العار المنتشرة كالجراد في كل زاوية من زوايا حياتنا؟
أيها الحزب الشيوعي الإسرائيلي: أنت لا تعرف شيئا عن الثورة ضد الظلم، ولا عن تحقيق العدالة. وأنت لا تريد ثورة ضد الظلم ولا تحقيق عدالة، بل تريد أن يبقى المسلمون خاضعين أذلاء، ليس لهم موقف، ولا يتألمون، ولا يغضبون، ولا ينتفضون، ولا يثورون.
إن بينكم وبين هذه المعاني كما بين السماء السابعة والأرض السابعة. فتاريخ الحركة الشيوعية، منذ اللحظة الأولى من تأسيسها، قائم على الظلم والبطش والدماء، وأنتم تعرفون هذا، ولكنكم تتعاملون مع الناس كأنهم قطيع لا ذاكرة لهم، وتتعاملون مع التاريخ وكأنه كومة ملح تذوب مع أول زخة مطر أو تفتفة دجال! ولا حاجة لتذكيركم بما فعلتموه أنتم هنا في فلسطين التاريخية قبل 1948 وأثناء 1948 وبعدها، فالرائحة تزكم الأنوف.
أما موقف الحزب من تركيا ورئيسها فهو معروف قبل هذا البيان. وهو موقف مبني على بغضهم لكل شيء يذكّر بالإسلام وبكرامة المسلمين، وعلى تحيّزهم الأعمى لروسيا الأرثوذكسية بقيادة المايسترو الدموي فلاديمير بوتين. ولو أرادوا العدالة حقا لاتخذوا الموقف الصحيح، وأنّى لهم هذا؟
وتذكروا معي يوم رفضت قيادات الحزب السفر إلى تركيا ولقاء الرئيس أردوغان عام 2015، وقبلت أن تلتقي قيادات أردنية، رغم أن الحزب يرفع راية محاربة الأنظمة الملكية، ويعتبرها دكتاتورية وفاقدة للشرعية ومتسلطة على الحكم بقوة العسكر، وتدعم الأنظمة المنتخبة ديمقراطيا، مثل الرئيس أردوغان تماما. ورغم أن قيادات جبهوية وشيوعية تلتقي قيادات أمريكية وأوروبية يعتبرها الحزب قوى كولونيالية استعمارية. فلا تمُثّلوا على الناس دور الشرف!!
وإنه من الوقاحة ومن الظلم أن يساوي الحزب في بيانه الضحل بين ذلك القزم؛ رئيس فرنسا الذي أساء لملياري مسلم، وبين الرئيس أردوغان، ذلك العملاق التي باتت فرائص أوروبا ترتعد منه، والذي غضب لدينه ولنبيّه. أما قصة “صدام الحضارات”، فإن الحزب الشيوعي، سواء كان إسرائيليا أو صينيا أو روسيّاً، أكثر من يعرف من هم الذين أسسوا لهذا الصراع، فأصابعهم غارقة في المصطلح حتى النخاع! وصراع الحضارات الذي فرضته الشيوعية والرأسمالية هو أمر واقع لا يمكن لعاقل أن ينكره، والطرف الذي يمارس دوره القذر فيه هو تحديدا الطرف الذي اخترعه وأسس له وأعدّ له العُدّة. وهذا الطرف ليس المسلمين بالتأكيد.
وإذا كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي يقصد حقا قوله إن جوهر الصراع هو بين المستغَلّين والمُستغِلّين، فتعالوا ننظر إلى الخارطة أمامنا: من هُم المستغَلّون؟ ومن هم المستغِلّون؟؟ هل تروْن مستَغَلّين غير المسلمين؟ وهل تروْن مستغِلّين غير الأنظمة الرأسمالية الفاشية الاستعمارية وما تبقى من الأنظمة الشيوعية؟؟
هذا البيان البائس أسقط في الحقيقة ما تبقى من القناع الشفاف الذي يضلّل به الحزب بعض السذج والبسطاء من أبناء شعبنا، من الذين صدّقوا أن هذا الحزب، الذي امتلأ تاريخه بالإساءات والتطاول والدجل وتزوير الحقائق، يمكن أن يصدر عنه خيرٌ ما!
بيان منصور دهامشة
ولذلك فإن محاولة السيد منصور دهامشة، سكرتير الجبهة، ترقيع العورة التي انكشفت، والفضيحة التي سبّبها بيان الحزب، من خلال بيانه الأخير الذي أصدره باسم الجبهة، والذي اتهم فيه منتقدي البيان أنهم يتصيدون في المياه العكرة، وأنهم (أي الجبهة) يرفضون “الإساءة للأديان والأنبياء كافة، وللنبي العربي الكريم خاصة”!! فهو كالذي جاء يكحلها فقلع عينيها.
أولا: واضح أن بيان دهامشة يتحدث عن الجبهة، بينما البيان الأول نشر باسم الحزب والجبهة. وهذا ذر للرماد في العيون. فالذين لا يفرقون بين الأمور سيصدقون أن بيان دهامشة (يجُبُّ) بيان الحزب، وهذا أمر لا ينطلي على كل ذي لبّ فطن.
ثانيا: يقول إن الجبهة عقدت اجتماعا يوم 25/10/2020 وأدانت المساس بالرموز الدينية الإسلامية… الخ الخ الخ.. وإن هذا الموقف نُشر في وسائل الإعلام وعلى صفحات الجبهة في مواقع التواصل. وهذا غير صحيح البتة. فقد تصفحت صفحة الجبهة الرسمية وبحثت عن البيان ولم أجده. وبحثت عنه في وسائل الإعلام فلم أجده. وفعل ذلك كثيرون غيري، من الذين طلبت منهم أن يبحثوا عن بيان الجبهة الذي يتحدث عنه السيد دهامشة، إذ ربما أكون مخطئا…!! بل أشك أن الفقرة التي يتحدث فيها السيد دهامشة عن إدانة الإساءة قد أضيفت لاحقا، بعد فضيحة بيان الحزب، في محاولة يائسة لتلافي تداعيات البيان.
وبغض النظر عن أن السيد دهامشة يستكثر (مثلهم جميعها) أن يقول (صلى الله عليه وسلم) حين يذكر اسم النبي عليه الصلاة والسلام، ويكتفي بالقول “النبي العربي الكريم” (وكأنه رئيس حزب قومي عربي!!)، فإن كل محاولات لفلفة الموضوع وتضييع الطاسة بين بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع، لا تنطلي على أحد.
إن الشيء الوحيد الذي كان على السيد دهامشة أن يفعله هو أن يطالب حزبه وجبهته بالاعتذار عن ذلك البيان، والتعهد بعدم تكرار مثل هذه التخبيصات، خاصة وأن إعلام الحزب وأدبياته مليئة بالإساءات الفجة والقبيحة للإسلام والمسلمين وللنبي صلى الله عليه وسلم ولزوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن. أم تظنون أننا يمكن أن ننسى؟؟؟!