الرئيس الفرنسي أمام خيارين: الاعتذار للمسلمين أو تعميق الأزمة الاقتصادية
الإعلامي أحمد حازم
عندما تحدث حالة قتل أو عمل إرهابي في فرنسا، قام بها مواطن فرنسي الأصل والجذور، تمر الحادثة بشكل عادي ولا يعيرها الإعلام أي اهتمام إلا كونها حالة من الحالات التي يعالجها القضاء دون ضجيج شعبي، وما أكثر هذه الحالات في المجتمعات الغربية ومنها المجتمع الفرنسي. لكن إذا كان الفاعل في مثل هذه الحالات مسلماً، فإن الدنيا تقوم ولا تقعد، ليس بسبب حالة القتل أو ارتكاب جريمة معينة، بل لأن الفاعل فرنسياً كان أم غير فرنسي ينتمي للإسلام، وهذا ما حدث في فرنسا وما حدث بالضبط مع الرئيس الفرنسي.
ماكرون نفسه عبر عن هذا الواقع في الكلمة التي ألقاها في جامعة السوربون في السادس عشر من الشهر الحالي خلال تأبين المدرس صامويل باتي الذي قُتل في أحد شوارع باريس على خلفية إعادة عرضه “الرسوم المسيئة” للنبي محمد عليه الصلاة والسلام. الرئيس الفرنسي صرّح وبكل وقاحة أنه يواجه ما أسماه (الإرهاب الإسلامي) وقال: “إنه لا يستهدف الإرهاب أياً كان لأنه سلوكٌ مدان، بل يستهدف تحديداً ذلك الإرهاب الذي يقوم به مسلمون، وأن المدرس الفرنسي قتل، لأن الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مستقبلنا، ولن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات”.
ماكرون، تجاوز حدود الأدب والدبلوماسية وحتى أنه تجاوز حدود احترام الأديان الأخرى، التي هي جزء من القيم الفرنسية التي يتشدق بها ماكرون بصورة دائمة. لقد اعتقد ماكرون بأن تكرار هجومه على الإسلام والرسول الكريم سيمر بسهولة. لكن ما حدث هو العكس تماماً، ويبدو أن ماكرون لم يتعلم من ردود فعل المسلمين في العالم على إهانة الرسول الكريم في صحف في الدانمارك والنرويج وحتى أنه نسي ما حدث في فرنسا نفسها مع المجلة الفرنسية الساخرة (شارلي إبدو) التي نشرت رسوماً كاريكاتيرية مسيئة جداً للرسول الكريم.
في الثاني من أكتوبر الجاري قال ماكرون “إن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية، معلنا عن سياساته ضد ما سمّاه “التشدد الإسلامي الذي يتخذ العنف منهجا له”.
هناك مثل شغبي يقول: “التكرار يعلم الحمار”. لكن تكرار ما حدث من إهانات للإسلام وللنبي الكريم في فرنسا لم يتعلم منه ماكرون، الذي يواجه الآن حملات احتجاجية قوية ضده، تدفع فرنسا ثمن مواقفه الغبية تجاه حوالي 6 ملايين مسلم في فرنسا، وحوالي مليار ونصف مليار مسلم في العالم. المسلمون يستخدمون الآن سلاحاً قوياً ضد فرنسا وهو سلاح المقاطعة والذي يقول التاريخ إن هذا السلاح له جدوى كبيرة.
المقاطعة الاقتصادية والتجارية، يرى فيها بعض المحللين أنها من أبرز أسلحة الردع التي تمتلكها الشعوب. والبعد الديني هو أيضاً محرك أساسي لإشهار سلاح المقاطعة، كما حدث مع المقاطعة العربية الواسعة للسلع الدنماركية والنرويجية في العام 2006 احتجاجا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد عليه السلام، التي نشرت في الدنمارك والنرويج. ولم تخمد نار المقاطعة الشعبية الواسعة إلا عقب اعتذار الصحف المسيئة وكبار المسؤولين في الدولتين عن الرسوم.
الرئيس التركي أردوغان لم يتحمل ما سمعه من ماكرون عن إهانة الإسلام والرسول الكريم، فهاجم ماكرون بشدة كونه مسلماً حراً، فخرج المنافقون العرب ليظهروا ولاءهم وطاعتهم للغرب وادّعوا بأن “مقاطعة منتجات فرنسا ليست سوى لعبة سياسية أطلقها أردوغان”. لكن هذا محض كذب، لأن دعوات المقاطعة بدأت من عواصم عربية قبل حديث أردوغان عنها.
إن حملة المقاطعة العربية هي رد حكيم ومنطقي على الرئيس الفرنسي الذي أظهر بكل وضوح أنه يريد استثمار حادثة قتل المدرس الفرنسي سياسياً في إطار التحريض العنصري ضد الإسلام والمسلمين. إن ماكرون على ما يبدو فقد عقله وأصبح يرى في كل انتقاد له وفي كل موقف لا يتناسب مع موقفه “مؤامرة إسلامية”.
على كل حال، فإن الرئيس الفرنسي وفي ظل استخدام سلاح المقاطعة للسلع والمنتجات الفرنسية يقف أمام خيارين لا ثالث لهما: فإمّا الاعتذار عن الإساءات للدين الإسلامي والنبي محمد عليه السلام، ووقف السياسة العنصرية بحق الإسلام والمسلمين، وإمّا تعميق الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها فرنسا حالياً بسبب المقاطعة الاقتصادية العربية.
وما دام الشيء بالشيء يذكر فلا بد من التذكير بأن بيانات موقع ITC Trade، وهو مشروع تابع للأمم المتحدة، أظهرت أن إجمالي صادرات فرنسا إلى ثمان دول عربية فقط وهي الجزائر، المغرب، قطر، تونس، الإمارات، السعودية، مصر وصلت العام الماضي إلى حوالي ثلاثين مليار دولار يضاف إليها صادرات إلى دول عربية وإسلامية أخرى، وإعلان 430 وكالة سفر تعليق شراء تذاكر الطيران إلى فرنسا. فهل ماكرون على استعداد للتضحية بهذه المليارات في وقت تعاني فيه فرنسا من أزمة اقتصادية؟