في بيتنا مدرسة… التدريس المنزلي- تحديات وطموح
عائشة حجار
منذ ما يقارب الثمانية أشهر انقطع معظم طلاب المدارس عن الدراسة، البعض عاد لأسابيع معدودة والبعض لم يعد الى مقاعد الدراسة حتى اللحظة. خلال هذه الفترة من الفراغ التعليمي يلجأ الأهالي للبحث عن حلول تعوض أبناءهم ما فاتهم من الدراسة، بينما يلجأ البعض الى استبدال المدرسة كليًا والتوجه الى التعليم المنزلي- أي عدم إرسال الابناء الى المدرسة اساسًا وتدريسهم بأنفسهم. لكي نفهم أكثر عن هذه الظاهرة، مسببات القرار والتجربة توجهنا الى أمهات اخترن تدريس ابنائهن منزليًّا.
الأسباب
تقول ولاء ذباح، أم لطفلة، إن بداية التفكير بالتعليم المنزلي كان “انتقادا للواقع حولنا، فالمدارس بصورتها ومناهجها الحالية لا ترقى لابقي بها اغلى ما املك. فمثلا منذ أن انجبت طفلتي كنت ارفض العمل لأنني كنت ارى تعامل الحاضنات مع الاطفال وأجد أن الأم هي المكان الاكثر امانًا والانسب للطفل. لا أحد لديه الصبر والعاطفة التي لدى الام”.
أمّا عن الناحية التعليمية فتقول: “الطفل يدرس ثلاثة أعوام في الروضة والبستان، تليها 12 عاما في المدرسة. لو فرضنا أن الطالب درس في أفضل الصفوف، أي خبرات لديه؟ أي معلومات لديه؟ نجد أنه يفتقر إلى الحصيلة العلمية والثقافية، فهذا تبذير لخمسة عشر عاما. أسمّي هذا وقتا محروقًا. ومن ناحية خلفية فمن هم المعلمون الموجودون؟ لا أشعر انهم قدوة صحيحة للطفل”. كما تعبر عن تخوفها من الأذى النفسي الذي يتعرض إليه الأطفال في المدارس بسبب التنمر والمعاملة الفظّة وتجارب سيئة تحد ذكاء وإبداع الطالب.
كما تحدثنا منايا أبو رومي-عواد عن قرارها وأن “موضوع التدريس المنزلي كان يجول في خاطرنا منذ زمن أنا وزوجي، كما أننا تعرفنا على تجارب أهال وأبنائهم في هذا النوع من التدريس. بالإضافة فلدينا تجربة من السنوات الثلاث الاولى لعمر طفلي حيث لم اقم ببعثه الى الحضانة. كما حاولنا أن نهيئ لأولادنا كل الظروف ليستكشفوا ويتعلموا بطرق ممتعة ومتنوعة تعزز حب التعلم عندهم”.
وترى منايا أن حب العلم أمر فطري يجب على الاهالي توجيهه وأن “التدريس المنزلي هو حق طبيعي جدا والمدرسة ليست البديل الوحيد”.
انتقاد للمدارس
تقول منايا إن أحد أهم المشاكل في المدارس هي وجود أبناء ذات الجيل في الصف الواحد “وبرأيي فإن اختلاط الطفل مع أناس من أجيال مختلفة يكسبه خبرات اجتماعية أغنى، على عكس ما يعتقد البعض”. إضافة إلى أن “التعليم في المدارس يضع الطالب في قالب معين بدلا من استمتاع الطفل بتعلم ما يهتم به هو بنفسه والوصول إلى إنجازاته الخاصة”. كما تذكر تساؤل البعض حول “سجن الطفل في البيت فتقول: “على العكس، أشعر بعدم الارتياح عندما أفكر أنه سيقضي معظم نهاره جالسًا وممنوعا من الحركة، فالوقت الذي سيقضيه في الاستراحة للحديث مع زملائه لا يكفي حتى لتطوير مهاراته الاجتماعية. كما انه في الصف ليس حرا في اختيار ما يرغب بعمله وسيكون التعليم بشكل تلقين”. كما تقول: “أنا احترم المعلمين جدا واعتقد أن التدريس من أصعب المهن، إلا أن عدد الطلاب في الصفوف لا يمكّن من اعطائهم الاهتمام الكافي”.
تذكر ولاء نقدها الشديد لطريقة اختيار وتأهيل المعلمين فتسأل: “عموما من هم الاشخاص الذين يتوجهون الى سلك التدريس؟ يمكن لكل شخص اليوم ان يصبح مدرسا بسبب الشروط السهلة لدراسة التعليم ولذلك نجد الطلاب الجيدين لا يتوجهون للتدريس”. وتضيف: “لنسأل عن طريقة التعليم، هل من الطبيعي أن يتعلم الطالب عن طريق الجلوس ساعات متواصلة على كرسي بلاستيكي وأن يبقى صامتًا؟ لا! هذه الطريقة تنتج اسفنجة تمتص المواد التعليمية. طريقة التعليم الطبيعية ان نكون مرشدين ونساعد الطفل في أوقاته الحساسة ليتعلم عن طريق التجارب واللعب”.
المخاوف
تقول ولا: “كنت أحاول أن لا تبقى ابنتي لوقت طويل في الروضة، وهي أيضا لم تكن تحب قضاء الوقت في الروضة. جاءت فترة الكورونا وسببت ان لا تقضي طفلتي أكثر من ثلاثة أشهر في الروضة. تحدثت مع صديقة لي وبحثنا الموضوع فتشجعنا. أنا شخصيا كنت مترددة لكن لم اعتقد أن هناك شيئًا اسوأ من المدرسة. ودوما كان السؤال هل انا لدي القدرة على هذا التدريس؟”. وتضيف: “لم يكن لدينا أي إشكال تعليمي فأنا ووالدها يمكننا تدريسها، لكن الخوف كان نفسيا أكثر لضخامة مثل هذا المشروع وهل سأعوض عليها الجانب الاجتماعي. لكن ايضا هذا أفضل من الجانب الاجتماعي في المدارس”.
كما تذكر منايا أن: “البعض يسألني الا تخشون من أن يلومكم ابنكم على هذا القرار؟ واجيب أنه يمكن أن يلومني، كما قد يلومني على أي قرار آخر نتخذه من أجله”.
ميزات التعليم المنزلي
تقول ولاء حول ميزات طريقة التعليم التي اختارتها لابنتها: “الطفل في التعليم المنزلي ليس تحت ضغط نفسي، يبقى في البيئة الداعمة له، يتعلم حسب رغباته في نفس الوقت وعن طريق رؤية الامور التي يجب أن يتعلم عنها بدل التجربة النظرية”. وتؤكد على استخدام زيارات المزرعة وتخصيص الوقت للقراءة وتعلم مبادئ الرياضيات كل يوم.
كما تذكر منايا أن الاطفال يشعرون بضغط نفسي اقل خلال التعليم المنزلي، الامر الذي شجعها على المضي بالقرار فتقول: “مع أن القرار لم يكن بسبب الكورونا إلا أن فترة الكورونا اكدت صحة قرارنا”. إضافة الى إمكانية اختيار قسم كبير من مواد التعليم، الامر الذي يتوافق مع ميول ومواهب الطفل”. وتؤكد أهمية الاختيار بالنسبة اليها. كما تضيف: “تخيلي أن الاطفال لا يدرسون لأجل الاختبار بل الاختبار هو أن يخبرني الطفل عن شيء تعلمه”.
حياة الأهل
قد تكون إحدى أهم المخاوف لدى الاهالي حول حياتهم كمدرسين في المنزل، تقول لنا ولاء إنها تعمل بوظيفة جزئية: “لتغيير نفسيتي والشعور انني اعطي في مكان آخر”. كما تؤكد على دور الاب الهام في المشاركة بتدريس الابناء والدعم المعنوي قبل الملموس”. كما توافق منايا أن “الامر ليس سهلا ابدا، وفي هذا الموضوع بالذات تمر فترات صعبة، لكن نذكر أنفسنا أن هذا هو الافضل للأطفال”. وتضيف أنها تتفهم الاهالي الذين يختارون عدم تدريس أبنائهم في المنزل، فالتدريس المنزلي بحاجة الى طاقات كبيرة وصبر قد لا يكون موجودا عند البعض ومن حقهم اختيار المساعدة في تدريس اطفالهم.
ويبقى التساؤل: هل مكّنت أزمة الكورونا الاهالي من اكتشاف مكامن قوتهم وضعفهم في الوالدية؟ وقدرات وصعوبات أطفالهم؟ وهل سنخرج من هذه الأزمة بنموذج والدي مختلف فيه تتغير نظرتنا إلى الدور التعليمي والتربوي للأهل؟