ينتقد ماكرون ويدافع عن منهجه
توفيق محمد
قرأت مقالا للدكتور رائف حسين في موقع العرب تحت عنوان :”ماكرون والإسلام وحملة حبيبي يا رسول الله” يهاجم فيه الرئيس الفرنسي الذي وصفه بالفاشل على المستوى المحلي فرنسيا، والمذدنب لأمريكا في سياسته تجاه الشرق الأوسط، فقال عنه في هذا الجانب بأنه:” يتصرف وكأنه قائم مقام الولايات المتحدة الامريكية بالشرق وهو السياسي الفاشل في مجالات عديدة خارجية وداخليه الخ…” كما ووصفه بانه :” الرئيس الذي يحلم بإعادة عصر فرنسا الاستعماري كما اوضح في زياراته الاخيرة للشرق الأوسط” ولكن الكاتب في نفس الوقت الذي يهاجم فيه الرئيس الفرنسي ماكرون فإنه يدافع عن فكر ماكرون وموروثه العلماني المعادي للدين الإسلامي، وذلك من خلال الطعن بأئمة المسلمين قديما وحديثا أمثال البخاري وشيخ الإسلام ابن تيمية، واتهامهم بتزوير الأحاديث النبوية الشريفة، بل والإدعاء على رسول الله بأنه نهى عن كتابة أحاديثه، وبالتالي يفهم من الكلام أن النبي، صلى الله عليه وسلم، نهى عن كتابة وتوثيق السنة النبوية المطهرة المصدر الثاني للتشريع الاسلامي بعد القرآن الكريم وقبل الإجماع فالقياس.
وفي الواقع وبعيدا عن مقال هذا الكاتب إذ لست بصدد نقاشه لأن ما أورده فيه ليس إلا كلاما سطحيا مدعًى على الدين الإسلامي يدرك كل مسلم صغير في الصف الأول الابتدائي أنه من السطحية والجهالة بمكانة تجعله يهمله، ناهيك عن يكون المطلع عليه قد أنهى المرحلة الابتدائية، أو الثانوية، أو الجامعية، أو حصل الشهادات العليا كالدكتوراه، وحقيقة فإني أستغرب من قيام الموقع بنشر مثل هكذا كلام.
ومع ذلك فإن القول بأن ماكرون فاشل في كل ما نقل عنه أعلاه، ومن ثم الإستدراك والقول وهنا اقتبس الكلام كما جاء في مقاله، وكما أوردها الكاتب الدكتور بالضبط: “التحريف الأكبر للدين الإسلامي الحنيف والتجريح الأبشع لشخصية النبي محمد قام به بداية وما زالوا يقومون به مسلمون …
ألم يقوموا هؤلاء من أمثال البخاري وابن تيمية بنسب أقوال للرسول الأعظم تتعارض مع التنزيل الحكيم؟ ألم يقوموا هؤلاء الذين يسمون أنفسهم كاتبي الأحاديث بتجميع كلام نسبوه للنبي محمد رغم أنه منع أن تكتب أقواله لكي لا يساء فهمها واستعمالها كما يحصل اليوم؟ ألم يتم تزوير التنزيل المقدس على يد من يدعوا أنهم فقهاء بخلق الناسخ والمنسوخ والتعامل مع التنزيل الحكيم على أنه كلام لشاعر وليس كلام الله الذي يعني به كل حرف وكل كلمه أتت بالتنزيل الحكيم؟ وتجد هؤلاء الفقهاء وقد أنشأوا خصومة مع كل آيات السلم الاجتماعي والتسامح الواردة بكتاب الله وهو المنهج الذي وضع له الفقهاء قاعدة أن آية السيف نسخت وطمست كل آيات السلم الاجتماعي بالقرآن.”
هذا الإستدراك يحمل قضيتين هامتين في الطعن في الإسلام لا بد من توضيحهما، ناهيك عن التخبيص في مسألة نسخ آيات السلم الإجتماعي جهلا أو كذبا، وفي الحالتين المصيبة أكبر من أختها لان الكاتب دكتور.
الأولى: الإنتقاد اللاذع لماكرون وهو صادق فيه، فهو رئيس فاشل محليا يطارده هم الانتخابات التي ربما يخسرها، ولكن في المقابل يتفق الكاتب مع موروث ماكرون في الطعن بالإسلام، فالإدعاء بأن تصريحات ماكرون لم تكن ترجمتها دقيقة ليس إلا محاولة لشرعنة موجة العداء للإسلام التي يبثها ماكرون والتي انتجت تيارا من الرسومات المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وللإسلام، إن ذلك لا يعدو كونه تدثرا بلباس الدفاع الكاذب عن الإسلام عبر انتقاد مهاجميه في سياساتهم المحلية والدولية، وليس انتقاد هجومهم على مقدسات الإسلام ونبيه الأعظم، صلى الله عليه وسلم.
الثانية: إن هذا الأسلوب لا يعني شيئا سوى الهجوم على الدين الإسلامي هجوما لا يقل عما قام به ماكرون فالإدعاء بفشل ماكرون، ثم الإدعاء على أئمة المسلمين بأنهم زيفوا الأحاديث النبوية هو إدعاء كاذب وافتراء عليهم، وهو طعن في الدين الإسلامي وطعن في مصادر التشريع الإسلامي بقفازات الدفاع الكاذب عن الرسول، وهل يمكن أن يكون الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالدفاع عن كل ما ورَّث الرسول أُمَّتَه والبشرية جمعاء، فعليه أُنزل القرآن الكريم، وفي حقه قال الله جل جلاله :” وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوة ذو مرة فاستوى”، ولذلك فإن الإدعاء على السنة المشرفة وكتبتها وعلى رواة الاحاديث وجامعيها بالتزوير هو ادعاء باطل، بل إنه محاولة للطعن في بديهيات الإسلام بدعوى الدفاع عن شخص الرسول الأعظم.
الدفاع عن رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم أولا لأنه الرسول واجب على كل مسلم لأن ذلك من صلب العقيدة الإسلامية، ثم الدفاع عن السنة النبوية واجب على كل مسلم لأن انكارها جحود وكفر، فهي المصدر الثاني للتشريع، وكيف يمكن لهذا المصدر أن يصلنا لولا كتبة الأحاديث ورواتها وجامعوها الثقات الذين أفنوا أعمارهم في جمع الأحاديث وتوثيقها، وكيف يمكن لنا أن نصلي ونفهم أمور التشريع لولا أن السنة جاءت شارحة لمجل الاحكام في القرآن، ثم فان المصدر الثالث للتشريع هو إجماع الصحابة على حكم فقهي لم يأت ذكره في كتاب الله ولا في السنة النبوية، ثم المصدر الرابع وهو القياس الذي عليه الأمة بعد جيل الصحابة.
أقول هذا الكلام هنا الآن وبعيدا عن المقال الذي نحن بصدده لأن هناك موجة حاليا تدعي أن الإسلام هو ما ورد في القرآن الكريم فقط وما دون ذلك لا يعتبرونه، فهم أولا لا علاقة لهم بالقرآن سوى ذكر اسمه، وإنما يدعون ذلك للطعن في الدين الإسلامي ومصادر تشريعه ليس إلا، أما ثانيا فإن مصادر التشريع في الإسلام هي ما ذكرت آنفا لا ينقص منها شيء، ولست هنا بصدد نقاش أصحاب هذه الإدعاءات لأنهم أصلا لو أقاموا القرآن في حياتهم لقرأوا قول الله جل جلاله:” وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا”
أقول ذلك وأعلم يقينا أن حملة الدفاع عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليست مقتصرة على تيار إسلامي دون آخر، ولا على حركة دون أخرى، ولا على جماعة، أو حزب، أو مسلم ملتزم أمور دينه دون غيره، بل هي حالة شعبية عامة عمت مختلف أبناء الأمة الإسلامية قاطبة وأسأل الله أن نؤجر جميعا في دفاعنا عن النبي الأعظم، فما أعلم مسلما في قلبه ذرة إيمان أو حب للرسول حتى وإن كان من أهل المعاصي يرضى بأن يُساء للحبيب، فاللهَ أسأل أن يجزينا جميعا بحبنا لرسولنا، صلى الله عليه وسلم.