أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

لطائف

الشيخ كمال خطيب

المنطق والقدر
ركب المنطق والقدر في سيارة، يريد كلٌ منهما الوصول إلى وجهته. وبعد سفر طويل وقبل الوصول نفذ بانزين السيارة فتعطلت. حاولا أن يكملا الطريق للوصول إلى مبتغاهما لكن المسافة ما تزال طويلة. نظرا يمينًا وشمالًا لعلّهما يجدان بيتًا يأويان إليه أو أحدًا يساعدهما فلم يجدا.
فقال المنطق أنا سأنام تحت ظل هذه الشجرة القريبة، فلعلّ الله أن ييسر لنا سيارة عابرة تقف فيساعدنا سائقها. أما القدر فقد قال: أما أنا فإنني سأنام وسط الشارع. فقال له المنطق: أمجنون أنت؟ سوف تعرّض نفسك للموت وقد تأتي سيارة فتدهسك فتموت. فردّ عليه القدر قائلًا: لن أنام إلا في وسط الشارع حتى إذا مرت سيارة رآنا سائقها فتوقف، ولكن كيف سيرانا إن نمنا تحت الشجرة بعيدًا عن الشارع؟
وفعلًا فقد نام المنطق تحت الشجرة، ونام القدر وسط الشارع. وبعد ساعة جاءت سيارة كبيرة مسرعة، فلما رأى سائقها كومة وسط الشارع ثم ما لبث أن تأكد أنه إنسان فحاول التوقف لتفادي دهسه فلم يستطع، فانحرفت السيارة إلى جانب الطريق واصطدمت بعنف بالشجرة التي كان المنطق ينام تحتها فقتلته. مات المنطق وعاش القدر.
كم مرة حصل مع أحدنا أنه يأخذ بالأسباب كما هو مطلوب ويخطط وفق المنطق وحسابات النجاح، ولكن النتيجة تكون بعكس وعلى غير ما أراد. فكم أردنا أن نحقق شيئًا ويكون لنا، ولكن الله سبحانه بحكمته جعل الخير لنا بألّا يكون، وفي هذا ناموس الله العادل {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} آية 216 سورة البقرة.
فقد تحصل ظروف يتأجل فيها سفرك بعد أن تكون قد أتممت ترتيباتك وفق المنطق، وإنما يحصل التأجيل ليكون القدر الذي فيه خيرك وأنت لا تعلم. وقد تكون قد خسرت صفقة تجارية أعددت لها كل الحسابات ودرستها بأفضل منطق للتجارة الرابحة، ولكنك وأنت تظن أن عدم إتمام الصفقة هو الخسارة ولكن إرادة الله وقدره سبحانه يعلم أن الخير والبركة في عدم نفاذ الصفقة هذه. وكم مرة يحصل أن يُرفض شخص لوظيفة تقدم إليها فيحزن على فواتها وفوز غيره بها ثم يتبين أن الخير كان في عدم انشغاله وقبوله لتلك الوظيفة، لأن الله قد أعد له خير منها. وما أكثر الأمثلة في حياتنا، فما أجمل من أن نأخذ بالأسباب ونعمل بها وفق المنطق ولكن أجمل من ذلك أن نتقبل ما كان من القدر، فعسى أن يكون خيرًا.

🔵وتوكل على الحي الذي لا يموت
سئل أحد رجال الأعمال المعروفين عن أعجب موقف مرّ به في حياته، فقال: شعرت ذات ليلة بقلق وانتابتني مخاوف كثيرة. حاولت النوم لكن النعاس طار من أجفاني فقررت أن أخرج خارج بيتي وأمشي في الهواء الطلق. شعرت براحة وأنا أمشي، فما شعرت إلا وأنا أقطع مسافة طويلة لم انتبه أنني قطعتها إلا وأنا أرى المسجد الذي أعرفه وكان بعيدًا عن بيتي، فقلت في نفسي أدخل المسجد وأصلي لله ركعتين لعلّ الله أن يشرح صدري ويذهب عني الذي أنا فيه.
يقول الرجل: دخلت المسجد فإذا برجل مستقبلًا القبلة يرفع يديه ويلحّ على الله بالدعاء، فعرفت أنه مكروب، فلما فرغ الرجل من دعائه توجهت إليه وقلت له: لقد رأيتك تدعو وتلحّ بالدعاء كأنك مكروب، فما قصتك؟ فقال الرجل: والله إن عليّ ديّن أقلقني وأرّقني، فلم أستطع النوم من ثقل الدّين عليّ. فقال له: كم الديّن الذي عليك؟ قال: أربعة آلاف.
يقول رجل الأعمال فأخرجت أربعة آلاف وأعطيته إياها، ففرح الرجل وشكرني وتهلل وجهه، ثم أخذت بطاقة فيها رقم هاتفي وعنوان مكتبي وشركتي وقلت له: خذ هذه البطاقة فإذا كانت لك حاجة فلا تتردد في زيارتي والاتصال بي، وظننت أنه سيفرح بهذا العرض لكنني فوجئت بجوابه، أتدرون ماذا كان جواب الرجل؟ قال لي: لا يا أخي جزاك الله خيرًا، أنا لا أحتاج لهذه البطاقة، فأنا كلما احتجت حاجة أو نزل بي كرب أتصل بالله وأصلي له وأرفع يدي إليه وأطلب منه حاجتي، وكما يسّرك لي فقضيت حاجتي، فإنه سبحانه ييسّر لي ويقضي لي حوائجي إذا كانت لي حاجة.
يقول رجل الأعمال: عندها عرفت وتذكرت قول الله تعالى {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا} آية 58 سورة الفرقان.
وتذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا”.
قال الشاعر:
تَوَكَّلتُ في رِزقي عَلى اللَهِ خالِقي وَأَيقَنتُ أَنَّ اللَهَ لا شَكَّ رازِقي
وَما يَكُ مِن رِزقي فَلَيسَ يَفوتَني وَلَو كانَ في قاعِ البِحارِ العَوامِقِ
سَيَأتي بِهِ اللَهُ العَظيمُ بِفَضلِهِ وَلَو لَم يَكُن مِنّي اللِسانُ بِناطِقِ
فَفي أَيِّ شَيءٍ تَذهَبُ النَفسُ حَسرَةً وَقَد قَسَمَ الرَحمَنُ رِزقَ الخَلائِقِ
فحسن الثقة بالله والتوكل عليه والقناعة بأن الرزاق هو الله، فليس معنى ذلك الكسل والتواكل وانتظار أن تتدخل يد الله، أبدًا ليس هذا هو الصحيح وإنما لا بد من الأخذ بالأسباب مع حسن التوكل على الله تعالى عند طلب الرزق، وفي هذا يقول الشاعر:
‏تَوَكَّلْ عَلَى الرَّحْمَنِ فِي كُل حَاجَةٍ وَلا تُؤْثِرَنَّ الْعَجْزَ يَوْمًا عَلَى الطَّلَبْ
أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِمَرْيَمٍ إِلَيْكِ فَهُزِّي الْجِذْعَ يسَّاقَطِ الرُّطَبْ
وَلَوْ شَاءَ أَنْ تَجْنِيهِ مِنْ غَيْرِ هَزِّهَا جَنَتْهُ وَلَكِنْ كُلُّ شَيءٍ لَهُ سَبَبْ

🔵بين المتوكلين والمتواكلين
يروى أن رجلًا عابدًا كان يسكن قرية وكان قدوة لأهل القرية يحبهم ويحبونه، وكان أهل القرية يسألونه في أمور دينهم ويتخذونه نموذجًا يحتذى به في الإيمان بالله تعالى. وذات يوم حلّ بالقرية إعصار أغرق القرية وما جاورها بالماء الغزير. حمله ذلك الإعصار ولم ينج إلا من كان معه قارب ركبه وطاف به على وجه الماء.
مرّ أهل القرية على الرجل العابد لينقذوه ويحملوه معهم في قواربهم لكنه رفض وكان جوابه لهم “لا داعي، الله سينقذني، اذهبوا”. هكذا قال لأسرة ركبت قاربها، وقال نفس الكلام لأسر كثيرة حاولت مساعدته.
انتهت خطورة الإعصار، ومرّت عين العاصفة، ورجع أهل القرية إلى بيوتهم ليجدوا ذلك الرجل الصالح والعابد جثة هامدة، فتسائل الناس بل إنه جدال قد احتد بينهم عمن يتحمل مسؤولية الرجل الصالح، ولماذا لم يتم إنقاذه، بل بدأ البعض يشكك بحقيقة تديّن ذلك الرجل وأنه لو كان مؤمنًا حقًا لكان الله قد أنقذه ولكن يبدو أن له حقيقة غير تلك التي نعلمها نحن.
وإذا بشاب ورع ومتعلم يخرج من بين الجموع ويقول: “من قال لكم أن الله لم ينقذه، إن الله سبحانه قد أنقذه ثلاث مرات عندما أرسل له ثلاث عائلات من عوائل القرية من جيرانه لينقذوه ولكنه كان يرفض، فهو من لم يرد النجاة.
فالإنسان المسلم مطالب بالاجتهاد والأخذ بالأسباب حتى ينال مساعدة الله وعونه، وإن الأخذ بالأسباب هي من شيم المرسلين والصالحين، بينما ترك الأخذ بالأسباب وانتظار السماء هي من شيم المتواكلين والبطّالين الذين يريدون أن يعيشوا على الأعطيات والصدقات.
🔹فها هو نوح عليه السلام قد أمره ربه سبحانه بإعداد السفينة لحمل الأحياء من كل زوجين اثنين ومن آمن من البشر، ولو شاء الله أن ينجيه من غير السفينة لأنجاه ولكنه أرشده إلى الأخذ بالأسباب.
🔹وها هو موسى عليه السلام وقد أمره ربه سبحانه أن يضرب البحر بعصاه، وهل تشق العصا البحر؟ ولكنها الأسباب، فإذا بالبحر فرقتين كل فرق كالطود العظيم، ولو شاء الله أن يجعله كذلك من غير ضرب العصا لفعل، ولكنه يعلّم أنبياءه وعباده الصالحين الأخذ بالأسباب.
🔹وها هي مريم فقد أمرها ربها سبحانه وهي بالمخاض أن تهز النخلة لكي تسقط عليها رطبًا جنيًا، ومعلوم أن المرأة أضعف من تكون قوة في هذا الحال، ولو هزّ النخلة عشرة رجال من جذعها لما تساقطت ثمرة واحدة ولكنها الأسباب.
🔹وهذا يوسف عليه السلام وقد نسي وهو سجين في لحظة ضعف أن الله سبحانه هو مسبب الأسباب، فالتفت بقلبه إلى الأسباب وقال لرفيق السجن {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} أي ليخلّصه من عذاب السجن، ولكن الله تعالى أراد أن يجعل قلبه خالصًا له، فقال تعالى {فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} آية 42 سورة يوسف. وكل ذلك ليصفو قلبه من التفاتة إلى الأسباب، ويعود إلى رب الأسباب.

🔵لا ترقص على جرح غيرك
فحذار حذار من أن تتحدث عن الأموال وكثرتها عندك مفاخرًا أمام فقير. وإياك أن تتحدث عن أولادك مباهيًا في حضرة رجل عقيم لم يرزقه الله الولد. وحذار حذار أن تتحدث عن والديك وحنانهما عليك في حضرة يتيم مات أبوه وأمه. وحذار حذار من أن تتحدث عن صحتك وحرصك عليها ولو كلّفك ذلك أن تدفع الأموال لأمهر الأطباء، فلا تحدث هذا في حضرة مريض سقيم لم يجد ثمن حبة الدواء، فلا تجعل كلماتك خناجر تطعن ولا أشواكًا تدمي من يسمعك. وأن هذا ليس أنه يصلح مع الناس، بل إنه لا يصلح حتى مع أبنائك، فكلمة “أنت رائع، مبدع” تجعل ابنك أو من يسمعها يطرق أبواب المجد متشجعًا، بينما كلمة “أنت غبي” فإنها قد تكسر همة طفل نبيه وتحطم آماله.
وإن من الكلمات ما ليس فقط تغلق أبواب المستقبل، وإنما قد يكون تأثيرها مثل السم فتكون قادرة على إيقاف قلب بجلطة أو المعدة بقرحة، ولقد قال الشاعر:
وقد يرجى لجرح السيف برء ولا برء لما جرح اللسان
يروى أن ملكًا قد رأى في المنام أن كل أسنانه تكسّرت وسقطت من فمه، فطلب مفسر أحلام لعلّه يفسر له ما رآه في المنام، فقال المفسر: يا جلالة الملك إن جميع أقاربك سيموتون قبلك. غضب الملك من الجواب وأمر بقتل مفسر الأحلام هذا. ولمّا جيء بمفسر أحلام آخر وقصّ عليه الملك ما رآه في المنام. ابتسم مفسر الأحلام وقال: يا جلالة الملك إنك أطول أقاربك عمرًا إن شاء الله، فسُرّ الملك وأمر له بجائزة مع أن حقيقة ما قاله هذا المفسر ومن سبقه هي واحدة، لكنه تأثير الكلام واختيار الكلمات.
قال لقمان عليه السلام: “‏إن من الكلام ما هو أشد من الحجر وأنفذ من وخز الإبر وأمرّ من الصبر وأحر من الجمر، وإن من القلوب مزارع فازرع فيها الكلمة الطيبة، فإن لم تنبت كلها فينبت بعضها”.
🔹🔹ملاحظة: ما ورد في هذا المقال هو بتصرف مما كتبه الدكتور حسان شمسي باشا، فأسأل الله أن يتقبل منه.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى