الديمقراطية المزيفة! الإيكونومست: الانتخابات بمصر “كذبة” ولن تقدم جديداً
بينما يستعد المصريون للتصويت لانتخاب برلمان جديد، يبدو أن حزباً مؤيداً للرئيس عبدالفتاح السيسي واثق بتحقيق فوز كاسح.
وفي أعقاب حملة واسعة شنَّها الرئيس على المعارضة السياسية، برز حزب “مستقبل وطن”، بوصفه القوة الرئيسية التي يرجَّح أن تنفذ برنامج السيسي في البرلمان، كداعم له. ويتوقع ناخبون وسياسيون أن يستفيد الحزب من تعديلات لقوانين الانتخابات، ليحكم سيطرته على مجلس النواب.
وليست للحزب صلة رسمية بالسيسي، لكنه يتعاظم في وقت أصبحت فيه قبضة الدولة على السياسة والإعلام في أشد حالاتها منذ عقود.
حزب الرئيس
ويشير كثيرون في المناطق الريفية والفقيرة إلى “مستقبل وطن” على أنه “حزب الرئيس”. وتُظهر أغنية مصورة من إنتاج الحزب، يبثها التلفزيون الرسمي، سلعاً استهلاكية من بينها ثلاجات وأفران طهي، يتم توزيعها على المواطنين في صناديق ورقية مزينة بصورة السيسي وإلى جانبها شعار الحزب.
وقبل الانتخابات، التي تبدأ السبت 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020 وتُجرى على مرحلتين على مدى عدة أسابيع، تعهد مرشحو الحزب خلال المؤتمرات الانتخابية، بالمساعدة في تطوير البنية التحتية وتوفير الخدمات في دوائرهم.
تأسس حزب “مستقبل وطن” عام 2014، وهو العام الذي فاز فيه السيسي بولايته الرئاسية الأولى، وحصل الحزب على 57 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته والذي سيطر عليه ائتلاف من الأحزاب الموالية للرئيس.
ومؤخراً، فاز الحزب بما يقرب من 75% من المقاعد المنتخبة في مجلس الشيوخ، وهو مجلس استشاري جرى استحداثه ويتألف من 300 مقعد، من بينها 200 مقعد بالانتخاب و100 بالتعيين.
لا مجال للمنافسة
وقبل نحو عام، أُلقي القبض على أعضاء “تحالف الأمل” الذي كان يدعو إلى تغيير المجلس التشريعي الذي يهيمن عليه داعمو الرئيس عبد الفتاح السيسي، كما اتهم وزير الداخلية التحالف بالعمل مع إرهابيين “لإسقاط الدولة”، في مؤامرة قال الوزير -دون أية نبرة سخرية- إنها تُسمَّى “خطة الأمل”. وبينما تنطلق الانتخابات البرلمانية هذا الشهر، يقبع كثير من أعضاء التحالف في السجن.
وحتى بمعايير مصر، حيث من المعتاد شراء الأصوات وسَجن مرشحي المعارضة، تبدو هذه المنافسة في هذه الانتخابات غير ديمقراطية تماماً. فمن خلال الاعتقالات والترهيب والعقبات البيروقراطية، أخلى النظام الساحة من معظم منتقديه. ويتنافس المرشحون على من يكون الأكثر تأييداً للسيسي، بينما يضخ رجال الأعمال الأغنياء الأموال في الأحزاب المدعومة من الدولة. ولن تظهر النتائج حتى ديسمبر/كانون الأول، لكنها ليست موضع شك. إذ سيمتلئ البرلمان مرة أخرى بالسياسيين الذين يتملقون الرئيس، بحسب ما تقوله صحيفة The Economist البريطانية.
ويدَّعي السيسي أنه يزدري السياسة. لكن يبدو أنه سيخالف تعهده بالتنحي بعد ولايته الثانية؛ لأنَّ التغييرات التي استُحدِثَت على الدستور في عام 2019، تسمح له بالبقاء حتى عام 2030. وهو يصف نفسه بأنه زعيم كل المصريين؛ ومن ثم يعلو على السياسة. وتتكون حكومته في الغالب من شخصيات تكنوقراط. ويعيّن عادةً حكامَ المحافظات من قدامى المحاربين في الجيش أو الأجهزة الأمنية.
ويتصرف السيسي كما لو كان بعيداً عن الصراعات السياسية، بينما يغوص رجاله في الوحل. فهم يسيطرون على البرلمان -ويستنزفون أنصاره مالياً- من خلال عدد قليل من الأحزاب الضخمة. ويُقال إنَّ أكبر حزب، ويُسمَّى حزب “مستقبل الأمة”، أنشأته المخابرات العسكرية. ويزعم المرشحون أنَّ بعض الأماكن في القوائم الانتخابية بيعت بملايين الجنيهات المصرية (عشرات الآلاف من الدولارات)، حتى إنَّ إحدى الصحف الموالية للدولة استهزأت بالمدفوعات المزعومة، في رسم كاريكاتيري يُصوِّر نائباً يحمل كرسيه الخاص إلى البرلمان، لأنَّ المقاعد الموجودة بداخله باهظة الثمن. وعندما ادَّعى محامٍ مؤيد للسيسي، في مقطع فيديو، أنَّ المقاعد البرلمانية تُعطَى لـ”كل من يستطيع الدفع”، اعتُقِل بعدها سريعاً. ونفى النظام بيع المقاعد.
لماذا يدعم رجال الأعمال السيسي؟
ولدى رجال الأعمال سببٌ وجيه لإغداق المال على الانتخابات. ولا يقتصر الأمر على أنَّ عضوية البرلمان توفر حصانة من الملاحقة القضائية، وهو مكسب لأي شخص يحاول تنفيذ أعمال تجارية في مكان ينتشر فيه الفساد. إضافة إلى أنَّ عضوية البرلمان تجعل حاملها أقرب إلى السلطة في وقت يتعين على الشركات الخاصة فيه منافسة المؤسسة المفضلة للسيسي: الجيش.
ويتذمر رجال الأعمال من الحجم المتزايد للبصمة الاقتصادية للجيش. إذ تعمل الشركات التي تديرها القوة العسكرية، أو ترتبط بها، في تصنيع الثلاجات وتمهيد الطرق وصنع المعكرونة، وتدير كذلك الفنادق والمستشفيات. وتتمتع معظمها بالإعفاء من ضريبة القيمة المضافة ورسوم الاستيراد. وبسبب هذه المزايا، تلحق هذه الشركات الدمار بالقطاع الخاص. خذ على سبيل المثال صناعة الأسمنت، التي كانت تعاني بالفعل من تخمة في المعروض عندما بدأ الجيش فتح مصانع في 2018. ومنذ ذلك الحين أوقفت العديد من الشركات الخاصة إنتاجها. وحذَّر مسؤول تنفيذي من أنَّ الكثير من هذه الشركات قد تضطر إلى الإغلاق نهائياً، إذا استمرت أزمة فائض العرض.
لا مبالاة
وقال سبعة مرشحين برلمانيين اتصلت بهم رويترز، إنهم كانوا مطالَبين بتقديم تبرعات كبيرة لحزب “مستقبل وطن” أو صندوق عام أنشأه السيسي، لإدراج أسمائهم على قوائم الحزب.
وقال نائب لرئيس حزب “مستقبل وطن” في مقابلة تلفزيونية مؤخراً، إن الحزب لا يأخذ سوى تبرعات تطوعية، ونفى استخدام الأموال للتأثير على الناخبين. ومع إحكام السيسي سيطرته، انخفض الاهتمام بالسياسة، كما تراجع الاقبال على التصويت في الانتخابات تدريجياً.
وبعد تهميش المعارضة الإسلامية والليبرالية بالفعل، وجد بعض المرشحين المؤيدين للسيسي أنفسَهم ضمن المستبعَدين.
ومن بين هؤلاء، اللواء طارق المهدي (70 عاماً)، وهو عضو سابق في المجلس العسكري الذي تولى السلطة عندما أُطيح بمبارك في عام 2011، قبل أن يشغل منصب القائم بأعمال وزير الإعلام ومنصب المحافظ في عدة محافظات.
وقال المهدي في مقابلة مع رويترز، بمكتبه المزيَّن بالعديد من الصور والأوسمة التي تروي مسيرته العسكرية في القاهرة، إنه حاول تشكيل قوائم انتخابية لتنافس في انتخابات مجلس النواب رداً على “فكرة الاستحواذ والتعالي” التي اتسمت بها انتخابات مجلس الشيوخ، لكن تم استبعاد القوائم التي شكَّلها، بقرار من الهيئة الوطنية للانتخابات، وهو القرار الذي أيده حكم قضائي. ولا تزال محكمة تنظر طعن المهدي على الحكم.
وقال المهدي، الذي أسس ما يُعرف باسم التيار الوطني المصري، إنه يدعم السيسي ومؤسسات الدولة، لكنه كان يريد فقط المساعدة في “نقل نبض الشارع إلى البرلمان”.
وانتقد استخدام بعض الأحزاب للإعانات لحشد التأييد، ورفض تسمية هذه الأحزاب.
وقال المهدي: “أنا مقدرش أدخل في صراع الفلوس أو صراع الكرتونة (صندوق يحوي سلعاً غذائية)، لكن أقدر أدخل في فكرة أن أنا أختار أفضل الموجودين”.
وقال النائب البرلماني محمد عبدالغني، وهو عضو في تكتل صغير مستقل يُعرف باسم “تكتل 25-30″، إن الضغوط الاقتصادية جعلت الناخبين أكثر عرضة لقبول مساعدات، بينما جعلت الحكومةَ أكثر خوفاً من مخططات التخريب والمعارضة السياسية.
وأشار السيسي إلى مؤامرات ضد الدولة من قِبل أعداء لم يسمهم، في أكثر من مناسبة عامة مؤخراً. وفي الشهر الماضي وفي سبتمبر/أيلول من العام الماضي، شهدت مصر احتجاجات صغيرة مناهضة للسيسي وتبعها إلقاء القبض على المئات.
وقال عبدالغني: “الأفضل هو فتح منافذ هواء للبشر وللمواطنين للتنفس وللتحدث ولسماع الرأي الآخر، وهذا هو ما سيقضي على أي مؤامرة تخريبية”.