أطفأت شمعتها الـ 29… “المدينة” تدخل عامها الثلاثين ماضية بخطها الملتزم بالمهنية والثوابت
أسرة التحرير
أطفأت صحيفة “المدينة“، أمس الأول، الأربعاء، شمعتها الـ 29، لتبدأ عامها الـ 30 ماضية على عهدها مع العمل الصحفي المنحاز لقضايا شعبنا وهمومه.
بدأت الصحيفة مشوارها عام 1991 بـ “الأبيض والأسود” قبل ثورة الاتصالات والسوشيال ميديا، ثم شقت طريقها في زمن طغى فيه الإعلام الإلكتروني والإعلام الاجتماعي، على الصحافة المكتوبة، وبقيت “المدينة” ثابتة في سياستها التحريرية، لم تخضع لشروط السوق حين فرضت الدعاية نفسها ذراعا في التأثير والتوجيه على الإعلام، ورفضت الصحيفة العديد من العروض “المغرية” التي لاقت رواجا وقبولا لدى الآخرين.
رصدت “المدينة” بوجه خاص حتى عام 2013، الهموم المحلية في مدينة أم الفحم ثم لاحقا هموم منطقة المثلث وقبل فترة وجيزة انتشرت المدينة في بلدات الداخل الفلسطيني، من النقب جنوبا إلى الجليل شمالا ويمكن القول بكل موضوعية إنها اليوم، الصحيفة الأكثر توزيعا وانتشارا في البلدات العربية.
كما أشرنا آنفا، فقد عالجت الصحيفة هموم شعبنا بالخبر والتقرير وكان لها شرف السبق الصحفي في العديد من إطلالاتها، وسلّطت الضوء على قضايا شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية والإسلامية، وحاورت الكثير من الشخصيات الاعتبارية، السياسية والاجتماعية والأكاديمية في الداخل الفلسطيني، على تنوعها الفكري والثقافي والسياسي.
حرصت “المدينة” خلال 29 عاما على نشر التوعية الدينية والوطنية، ورصد الفعاليات الدينية والمناسبات الوطنية لشعبنا، وكتابة التقارير المتعددة في مختلف المجالات، واستضاف منبرها الأقلام الحرّة المتمسكة بالقيم والثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية.
حثّت “المدينة” دائما على الخير، وحاربت الشر والرذيلة التي تحوّلت- للأسف- في كثير من الأوساط الإعلامية، لعنوان ولازمة في زمن العولمة وخطاب الأسرلة.
يقول الأستاذ عبد الإله وليد معلواني، مدير عام الصحيفة: “لا شك أن “المدينة” تعتبر إضافة نوعية ورائدة في الإعلام المحلي، وتعتبر أولى الصحف المحلية الأسبوعية في الداخل الفلسطيني، وقد اهتمت بداية بالشأن المحلي الفحماوي، البلد الذي تأسست به، ثم تناولت الشأن القطري والعربي والإسرائيلي في مرحلة لاحقة، تعاقب على تحريرها نخبة من الإعلاميين الفحماويين، وكانت بداياتها باللونين “الأسود والأبيض”، ثم انتقلت إلى الطباعة بالألوان”.
وأضاف: التزمت “المدينة” دائما خطا تحريريا منسجما مع تطلعات شعبنا في الداخل الفلسطيني، وصاغت مفرداتها التحريرية الخاصة التي ابتعدت قدر الإمكان عن “الإسرائيليات” ومصطلحاتها ومفاهيمها، وتابعت عن كثب العمل الدعوي في أم الفحم والداخل الفلسطيني، والتقت في مقابلات حصرية قيادات محلية وقطرية من مختلف التيارات، كما استضافت العديد من الأقلام والكتاب والنخب المحلية وعلى الصعيد القطري في الداخل الفلسطيني”.
وختم معلواني بالقول: “بهذه المناسبة تعاهد (المدينة) قراءها أن تواصل ذات الطريق، رافعة لواء الكلمة الحرة، الصادقة، والرسالة الحقيقية، التي تهتم بكل قضايا أهلنا وشعبنا وأمتنا، تنظر إلى الأمام، وفي جعبتها الكثير مما تقدمه لأغلى ما تملك، وهو القارئ العزيز، سائلين الله تعالى أن نبقى دائما عند حسن ظن القراء، مع علمنا أن الكمال غاية لا تدرك، لكننا نسعى إلى ملامسته قدر المستطاع، ومع علمنا أننا مهما قدمنا فإننا نبقى يلازمنا الشعور بالتقصير، لأن قارئنا العزيز يستحق الأفضل. وكل عام وأنتم و”مدينتكم” على طريق الحق”.
في حين، قال الصحفي طه اغبارية، المحرر المسؤول في الجريدة، إن “المدينة” منذ انطلاقتها عام 1991 سعت إلى كتابة الخبر بروح جديدة يدمج بين المهنية والانحياز للثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية، وأضاف: “لذلك لا نخجل من القول إننا لسنا حياديين في مسائل الثوابت ولا حتى في صياغة المفردات التي تؤكد على انتمائنا وخطابنا بأبعاده الفلسطينية والعروبية والإسلامية، لم تكن المدينة في يوم من الأيام أداة ترويج لمصطلحات وأفكار نعتبرها خارجة عن المعايير الأخلاقية والدينية لشعبنا ولن تكون بإذن الله، نعلم ان التجديف المعاكس للتيار في ظل الواقع الإعلامي الكئيب، مسألة ليست سهلة، ولكن هذا هو قدر دعاة التغيير للأفضل، ونحن نطمح أن نكون الأفضل”.
قالوا بالمناسبة
الأستاذ والباحث صالح لطفي- أحد مؤسسي الصحيفة: “صحيفة المدينة من الصحف القليلة التي ما زالت مستمرة بدون انقطاع منذ ثلاثة عقود ولم يتغير خطها الفكري ومنهجها في العمل وطريقتها في العرض ولم تعتمد الاعلام الأصفر أو الهابط وسيلة لاستمرارها، ومن نافلة القول الإشارة، الى أنها تعكس سجلا حيا للصيرورات التي عاشتها مدينة أم الفحم، فهي في هذا الخضم وإن عبرت عن رؤية تيار بعينه، فإنها حملت هموم المجتمع برمته وهي بذلك تشكل توثيقا دقيقا للتطورات المجتمعية التي مر بها مجتمعنا. ولعل هذا ما ميزها على مدار عقودها التي خلت فقد وثّقت بالكلمة والصورة الحية مسارات وتطورات وتعرجات مجتمعنا المحلي. في عصر تراجع الإعلام الورقي لصالح الإعلام الرقمي تبرز صحيفة المدينة كظاهرة ذات خصوصية سواء من حيث الاستمرارية أو من حيث الزخم. ما يلفت النظر انها إذ تحافظ على وجودها دون هبوط لمستواها الاعلامي او انزلاق نحو خفض اليد لتمويلها حافظت على نمط معين جمع بين أن تغطي نفقاتها وأن تحافظ على خطها من خلال زخم من الدعايات المحلية فيه تعبير عن ثقة قائمة بين هذه الصحيفة والمعلنين ومجتمع تعيش معه تؤثر فيه كما يؤثر فيها. من نافلة القول هنا الإشارة الى أن صحيفة المدينة حافظت على أخلاقياتها دون ان تتزحزح قيد أنملة: أخلاقيات المهنة والعمل والتمويل لاستمرارها. ومن نافلة القول كذلك الإشارة الى أن للصحيفة جمهورها الحي الذي يتفاعل معها وينتظرها سواء للقراءة والاستفادة مما يكتب فيها. تشكل الصحيفة اليوم مصدرا ثريا بالنسبة لعديد الباحثين والمراقبين لما يدور في الداخل الفلسطيني عموما ولما تقدمه بعض الأقلام بعينها من كتابات في محاور شتى، ولعلي هنا أشير الى أن استمرار صحيفة المدينة بالصدور رغم ما يعتور الصحافة الورقية من صعوبات في عصر الرقمنة هو تحد بذاته لا يمكن الاستهانة به. اتمنى لصحيفة المدينة وقد بلغت من العمر الثلاثين أن تستمر في العطاء وترتقي في طروحاتها الإعلامية لتبقى منارة هدي للسائرين في دروب الحياة الحاملين راية الحق والعدل والحرية”.
الشيخ هاشم عبد الرحمن، رئيس بلدية أم الفحم الأسبق: “مضت 29 سنة، على إصدار جريدة المدينة، والتي ما زلت اذكر نقاش الاخوة الاحباب في تسمية الجريدة أو النشرة في مدينة أم الفحم (أم النور)، فاستقر الأمر على تسميتها بجريدة المدينة، تيمنا باسم مدينة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وما زال نورها يسطع في ارض الاسراء والمعراج متناسقا مع مدخل مدينه أم النور، والتي يدخلها من يدخلها بسلام حيث يلتقي في مدخل المدينة ام النور، بشارعها الرئيس “المدينة” ويقابله شارع “القدس”.
29 عاما وما زالت المدينة تؤدي رسالتها الإعلامية المتواضعة، وتبقى انوار اسمها تستمده من انوار ساكن المدينة عليه الصلاة والسلام، جزاكم الله خيرا يا من حملتم الراية، جيل يسلم جيلا، يبلغون رسالة هذا الدين: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)، نبلغ ما استطعنا ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، هي رسالة الكلمة نبلغ بها رسالة الله للخلائق إنسا وجنا وتبقى الراية مرفوعة بحول الله وقوته، جزاكم الله خير الجزاء وسدد الله خطاكم لما يحب ويرضى، والدال على الخير كفاعله والخير والاجر موصول لمن سبق ولمن لحق بإذن الله”.
الأستاذ حامد اغبارية، رئيس تحرير صحيفة “صوت الحق والحرية” المحظورة إسرائيليا: “في حديثنا عن الإعلام بشكل عام والصحافة بشكل خاص، والصحافة الورقية بشكل أخصّ، فإننا- في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني؛ وهو مجتمع له خصوصية حتى في تعاطيه مع الإعلام- بين تيارين إعلامين أو مدرستين أساسيتين، إحداهما، وتمثل أغلبية وسائل الإعلام المحلية (تجارية وحزبية) انطلقت في معالجة القضايا المجتمعية من كونها تتعامل مع واقع ليس لها دور في تغييره، وإنما همّها الأول سعة الانتشار، وأحيانا كثيرة على حساب القيم، ولذلك تجدها تقدم للقارئ وجبات (إعلامية) من النوع الذي يدغدغ عواطفه ويرضي غرائزه، تحت شعار “هذا ما يريده الجمهور”. وثانيهما إعلام مسؤول يمثل مدرسة متميزة من الصحافة التي تستشعر حجم الدور وثقل المسؤولية في إحداث التغيير، من خلال تقديم ما يحتاجه الجمهور، لا ما يريده. وهناك فرق بين ما يحتاجه الجمهور لتغيير واقعه الصعب، وبين ما يريده ترفيها، دون السعي إلى التغيير الإيجابي، بل يُبقي على حالة الواقع الصعب، وكثيرا ما يساهم في مفاقمته.
من النوع الثاني، من مدرسة الإعلام المسؤول الساعي إلى إحداث التغيير تجد صحيفة كصحيفة “المدينة” التي تطفئ اليوم شمعتها التاسعة والعشرين وتدخل عامها الثلاثين، واثقة، قوية، تستشعر أنها تخوض معركة التغيير وحيدة وسط حيتان من وسائل الإعلام التابعة للمدرسة الأولى.
على مدار ثلاثة عقود حفرت صحيفة “المدينة“، بهيئات تحريرها المتعاقبة عبر السنوات، في الصخر لتثبّت قدميها وتُثُبت وجودها، وتحقق شيئا من الأهداف التي وضعتها نصب عينيها. لذلك تجدها صوتا آخر فريدا وحيدا في البرية، بعد إغلاق وسائل إعلام بقرارات ظالمة، كانت تسير على نفس الطريق، بل أسست لتلك المدرسة الإعلامية الأصيلة. تتقدم بخطوات بطيئة، ولكن بثقةِ واعتزازِ من يُدرك أنه جندي في خدمة مجتمعه، فلا تخيفه عقبات ولا تعيقه أشواك.
بدأت المدينة صحيفة فحماوية محلية، تعالج قضايا أم الفحم ومنطقتها، ثم إذا بها اليوم صحيفة يشار إليها بالبنان، بجهود مسؤوليها ومحرريها.
نبارك للزملاء في المدينة دخولها عامها الثلاثين، وندعو الله لهم بالتوفيق والسداد وتحقيق الإنجازات تلو الإنجازات، فهي وبحق، الصوت الوحيد اليوم الذي يغرد خارج السرب”.
الأستاذ عبدالمنعم فؤاد، المنسق الإعلامي لبلدية أم الفحم- رئيس تحرير صحيفة “المدينة” سابقًا: “المدينة“، كانت بداية طريقي إلى الإعلام والصحافة، كانت بداية مشواري العملي الأول في حياتي بعد إنهائي الثانوية مباشرة عندما توظفت في الصحيفة حديثة العهد والجديدة في حينه، كان لي الشرف أن أعمل بها منذ صدور العدد الأول منها عام 1991، عندما دخلت كعامل طباعة على الحاسوب، أيام كانت تصلنا الأخبار والتقارير والمقالات عبر جهاز الناسوخ (الفاكس)، وكان يتم تصميم ومونتاج الصحيفة على لوائح كرتونية كبيرة، نبعث بها إلى المطبعة في حيفا يومها.
تدرجت بين “المدينة” و”صوت الحق والحرية” إلى أن استقر بي المقام عام 2013 وعدت رئيساً لتحرير صحيفة “المدينة“، لعدة سنوات. باعتقادي أن تجربة “المدينة“، وكما كانت لي “صوت الحق والحرية” تجربة إعلامية قطرية، كانت “المدينة” الصحيفة المحلية الأولى، تجربة رائدة لي كإعلام محلي بنى أنموذجاً رائعاً من الصحافة المحلية، سواء في ام الفحم او بلدات أخرى نقلت تجربة “المدينة” إليها وهي كثيرة، فقد ساهمت لدي وأثْرَت عندي تجربة “المدينة“، والتي دمجت بين الإعلام السياسي – الدعوي وبين إعلام العمل البلدي في بلدية ام الفحم في حينه، وهو ما عزز عندي أيضا ملكات العمل البلدي التي أفخر بها من موقعي اليوم كمنسق إعلامي لبلدية ام الفحم. صحيح أن الإعلام الورقي اليوم بات على خطر، والإعلام الالكتروني، وخاصة الشبكات الاجتماعية، “تهدد” الإعلام التقليدي الورقي، لكن ذلك لا يلغي أن الكثيرين ما زالوا يصحون من نومهم يوم الجمعة صباحاً ويفتحون اعينهم على “المدينة” وأخبارها. دمتم بخير وصحة وعافية”.
الدكتور مهند مصطفى، محاضر جامعي ومدير عام مركز “مدى الكرمل”: “صحيفة المدينة تشكل اليوم منبرا إعلاميا جادا، رصينا، تتعامل مع القضايا بعمق، تحاول ان تقدم الصوت الإعلامي الجاد في زمن تهترئ فيه الكلمة الإعلامية المهنية والمنحازة لقضاياها، والتي تطرح ملفات سياسية بعمق.
لا ضير أن تكون الصحيفة ذات توجهات سياسية ايديولوجية، هذا لا يغيب مهنيتها، على العكس تماما نحن بحاجة لمنابر إعلامية ذات رسالة سياسية وحتى أيديولوجية، نأمل أن يكون عندنا منابر اعلامية ذات توجهات فكرية متعددة على أن تكون جادة. المدينة صوت مميز، فهي تطرح قضايا الداخل والشعب الفلسطيني والأمة العربية والاسلامية، من خلال الكتابة الجادة، العميقة والمنحازة لقضايا الأمة وثوابتها، انا اعتبر المدينة، المنبر الإعلامي الهام عندي، فيه اكون مطمئنا أن الحوار معهم يكون جادا، عميقا، ومميز. اتمنى لها كل التقدم وأن تستمر هكذا في رسالتها الاعلامية أولا، وفي رسالتها الفكرية ثانيا، وفي دورها التثقيفي ثالثا”.