ماكرون يهاجم الإسلام هرباً من مشاكله الداخلية
الإعلامي أحمد حازم
لا أعرف كيف وصل الرئيس الفرنسي ماكرون إلى نتيجة مفادها “أن الإسلام أصبح ديانة تعيش في الوقت الراهن أزمة في كل مكان في العالم، وأن المسلمين في فرنسا يتبنون نزعات انفصالية ويلتفون على قوانين الجمهورية”. لا ندري من أين أتى ماكرون بهذه المعلومة الكاذبة. لكن مجرد تركيزه على الإسلام سلباً فإن شيئاً ما يكمن في الكواليس، لأن ماكرون يعرف تمام المعرفة أن الإسلام ليس كذلك، فما الذي دفع ماكرون إلى اللعب بالنار من خلال مهاجمة الدين الإسلامي واختلاق مواجهة مع المسلمين؟
يقول المعلق السياسي في صحيف “رأي اليوم” الصادرة في لندن، “إن هذا التّصعيد للكراهية ضدّ الإسلام والمُسلمين الذي يقوده ماكرون شخصيًّا يأتي تمهيدًا لتمرير قوانين وإجراءات ذات طابع عنصري ضدّ الجِيلَين المُسلِمَين الثّالث والرّابع في فرنسا، بعد الاعتِراف بفشل ما يُسمّى بالخطوات الإصلاحيّة لدمجهما في المُجتمع الفرنسي، مُضافًا إلى ذلك أن ماكرون يُحاول يائسًا استِعادة ما فقده من شعبيّةٍ أمام اليمين المُتطرّف، استِعدادًا للانتخابات الرئاسيّة عام 2022”.
ولو رجعنا سنوات إلى الوراء، لرأينا أن حركة السترات الصفراء وقانون العمل لعام ٢٠١٧ ساهما في تقليل شعبية ماكرون ووضعه في مأزق، ولم يكن أمامه أي مخرج من هذه الورطة سوى اللعب بورقة الإسلام والمسلمين اعتقاداً منه بأن هذا الأمر سيساعده في انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة. الرئيس الفرنسي يمر في أزمة سياسية مع الشعب، ولذلك ذهب بمشاكله الداخلية والخارجية ليضعها في باحة المسلمين، لأن هذه الطريقة بنظره هي الأنجع في الهروب من المشاكل التي يواجهها ماكرون، والتي تتجسد في ثلاثة أسباب: أولها، انحيازه التام للأغنياء وإهمال الفقراء مما أدى إلى تقليص شعبيته، وثانيها حركة أصحاب السترات الصفراء الذين أجبروه على التراجع عن قرارات له قبل عدة شهور ومطالبته بالرحيل، وثالثها عدم تنفيذ الشق الاجتماعي في برنامجه الإصلاحي، وقد يكون هذا هو الوقت المناسب له لمغازلة اليمينيين المتشددين والشعبويين في بلاده فاستبق الانتخابات القادمة سنة 2022 بشن الهجوم على الإسلام والمسلمين.
الرئيس الفرنسي ماكرون هو المأزوم وليس الإسلام، وجمهوريته الفرنسية التي يعتقد أنه يدافع عنها بهجومه على الإسلام هي المأزومة، وليس للإسلام والمسلمين علاقة بهذا. ماكرون يتبجح دائماً بالتحدث عن قيم الحرية واحترام التعددية التي هي كما يقول قيم الجمهورية الفرنسية. والغريب في الأمر أن ماكرون لم يحترم هذه القيم عندما هاجم المسلمين في فرنسا رغم أنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع الفرنسي، الذي ينادي ماكرون باحترام التعددية فيه.
ماكرون يتهم المسلمين في فرنسا بتبني نزعات انفصالية والانعزال عن المجتمع، أي رفض الاندماج فيه، بالرغم مما تكرره قيادات المنظمات الإسلامية في أوروبا من حديث عن زيادة وتيرة الاندماج داخل المجتمعات الأوروبية، إلا أن ماكرون مصرّ على توجيه سهام النقد في استهداف واضح للإسلام بشكل عام وللمسلمين في فرنسا بشكل خاص بتهمة عدم الاندماج الكافي.
هل يوجد تعريف واضح للاندماج ومعايير يرتكز عليها؟ وحسب رأي علماء وباحثين فرنسيين، لا يوجد تعريف متفق عليه بين علماء الاجتماع على الاندماج وماهيته. يرى عمر المرابط، الباحث بمدرسة الدراسات الاجتماعية العليا في باريس ونائب عمدة مدينة “أتيس مونس” الفرنسية، “أن ماكرون يريد من مسلمي فرنسا أن يذوبوا بحضارتهم ولغتهم وثقافتهم ودينهم في الثقافة الفرنسية، ويجب على المسلم ألا يظهر أيا من خصال شخصيته العربية أو الإسلامية”. لكن رغبة ماكرون من المستحيل تحقيقها، لأنها تعني طمس الهوية الإسلامية بسبب تمسك المسلم بقيمه الإسلامية. والحفاظ عليها.
الاندماج يا “مسيو ماكرون” له أصول وليس الإندماج كما تريد أنت. والاندماج يعني العيش ضمن إطار الدولة وفق قوانينها مع احترام ثقافتها وقيمها، وليس التخلي عن قيم الفرد الشخصية وثقافته ولغته والذوبان الكامل والتام كما تريد أنت.
وفي النهاية على الرئيس الفرنسي ماكرون أن يعرف أنه هو شخصياً المأزوم وليس الإسلام. خصوصاً أنه يعاني من انخفاض شعبيته إلى 18% الأمر الذي يؤثر على مستقبله السياسي، والمأزوم يا “مسيو” ماكرون لا يشهد تطوراً في مجتمعه، وبالعكس من ذلك فإن الدين الإسلامي يتطور تطوراً إيجابياً في المجتمع الفرنسي بشكل لا مثيل له، والدليل على ذلك أن عدد المسلمين في فرنسا يزداد بشكل ملحوظ وأن عدد الفرنسيين الذين يشهرون إسلامهم يزداد سنوياً. وعدد المسلمين في فرنسا هو أكبر عدد للمسلمين في أوروبا، وهم يساهمون مساهمة فعالة في المجتمع الفرنسي في جميع مجالات الحياة بما فيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا أيضاً يخيف ماكرون وغيره من كارهي الإسلام.