الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها (10)
عائشة حجار
هذه المرة أود الحديث عن نص من نوع آخر، نص مختلف، نص بلغة أخرى. النص بالعبرية وبإنتاج وإخراج إسرائيلي أثار الكثير من ردود الفعل حتى الآن، وهو يبث حاليا في القناة الاسرائيلية الثانية عشرة، تحت عنوان “الفتية” كمسلسل قصير. اعترف أنني لم أشاهد هذا المسلسل ولا أنوي مشاهدته أبدا، لأن هذه أكثر النصوص الإعلامية إثارة للغضب، وسأفصّل هنا لماذا، وما المشكلة فيه هو وأشباهه.
يعرض المسلسل قصة وجريمة حرق عائلة الدوابشة التي اقترفها مجرمون إرهابيون يهود، لا لشيء إلا لقتل عرب، أي عرب، بلا فرق في السن، الجنس والميول السياسية. هذه الجريمة أغضبت الكثيرين وأحزنتهم، لا يمكن الوقوف بهدوء أمام مشهد طفل وحيد فقد عائلته أو رضيع قتل بسبب عنصرية وكراهية عمياء، ومهما كانت الحجج التي ستقدّم للعالم لتفسير هذه الجريمة، فإنها ستكون واهية. حادثة عائلة دوابشة هي بقعة يصعب إزالتها عن الصورة اللامعة التي تحاول إسرائيل عرضها للعالم، كل من غسل قميصه يعلم أن بقع الدم لا تزول. إذًا كيف يمكن أن تحوّل بقعة بارزة كهذه إلى زينة على صورتك؟ بنص إعلامي ذكي يمكن فعل ذلك.
يعرض “الفتيان” الجريمة بدون تقديم أعذار، ويبيّن أن هذا الفعل شنيع حقا، إلا أنه يعرض بالأساس قصة البحث الاسرائيلي المستميت عن المجرمين وكيفية القبض عليهم، يعرض الأمر من وجهة نظر الأجهزة الامنية التي لا تنام حتى تحقق “العدالة”. إذا كان هناك تجسيد حقيقي لدس السم في العسل فهو هنا.
مثل هذه النصوص الإعلامية ستجعلك تفهم أن المجرمين هؤلاء ليسوا سوى قلّة خارجة عن القاعدة، ومرفوضة في المجتمع بشكل قاطع، وأن المحتل يحقق العدالة حتى لعدوه، إنه من نوع النصوص الذي يفرّق بين السبب والنتيجة، ويجعلك تتعاطف مع الدولة التي تحاول منع أولادها العاقّين (القلة القليلة) من إيذاء الآخر الضعيف. مثل هذا المسلسل، نجد الكثير من النصوص البارزة في الإعلام والسينما العالمية، مثل فيلم “قناص أمريكي” الذي يعرض قتل عشرات البشر على أنه عمل مشرف.
في السنوات الأخيرة يمكن ملاحظة هذا اللون من المسلسلات والإنتاجات في الاعلام الاسرائيلي، خاصة الموجّه للتصدير والترجمة، والذي يعرض جانبا إنسانيا مثيرا للرأفة لنفس الاجهزة التي تمارس القمع نحو ذات الفئة التي يدّعي المسلسل أنهم يحمونها. لصناعة مثل هذه النصوص أنت بحاجة الى إعلام متطور فكريا، يعلم هدفه وطريق الوصول إليه، لفهم هذه النصوص أنت بحاجة إلى القليل من الوعي الذاتي، وساعة واحدة فقط في هذه البلاد.
ملاحظة: إذا كان هناك أي نص إعلامي ترغبون بأن أتناوله في الحلقات القادمة أرسلوا إليّ اقتراحاتكم، ملاحظاتكم، نصائحكم عبر الفيسبوك: Aysha Hjjar