هل لعبت هيلاري كلينتون دورًا «غامضًا» في الربيع العربي؟
أعاد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، برفع السرية عن تسريبات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، للأضواء ملف البريد الإلكتروني الخاص الذي كانت تستخدمه إبان توليها منصب وزيرة الخارجية، وذلك بعدما أعلن وزير الخارجية الحالي مايك بومبيو، الكشف عن تلك الرسائل ونشرها للعلن.
وعلى الجانب الآخر، ركَّزت وسائل الإعلام الخليجي، في تلك الرسائل على علاقة هيلاري كلينتون مع دولة قطر، ودعمهما بالتمويل المادي لجماعات الإسلام السياسي في دول الربيع العربي، ضمن ما وصف بـ«مخطط الشرق الأوسط الجديد».
فما هو هذا المخطط الشرق أوسطي الذي ارتبط بهيلاري كلينتون؟ وما هي حقيقة تسريبات بريدها الإلكتروني؟ وهل صحيح أن الخارجية الأمريكية بقيادتها دعمت الثورات في دول الربيع العربي؟
هيلاري كلينتون ومخطط الشرق الأوسط الجديد
في ظل الصراع الدائم بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الانتخابات الأمريكية 2016، كان المرشح الجمهوري دونالد ترامب يستغل الحديث عن منافسته هيلاري كلينتون باعتبارها وزيرة الخارجية الأمريكية، وأحد أبرز صناع القرار في إدارة الرئيس باراك أوباما؛ لاستخدامها فزاعة تخوف الداخل الأمريكي من سياساتها الخارجية تجاه المنطقة العربية والشرق الأوسط، إلى حد تصريح ترامب بأن خطة السياسة الخارجية لمنافسته كلينتون في سوريا ستشعل الحرب العالمية الثالثة.
وكانت هجمات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، التي أسفرت عن مقتل 130 شخصًا وإصابة 368 آخرين في مسرح باتاكلان، قد كشفت ملامح خطة كلينتون تجاه الشرق الأوسط، إذ دعت هيلاري كلينتون إلى تكثيف هجوم الولايات المتحدة على الجماعات المتطرفة من خلال زيادة العمليات الاستخباراتية، ونشر المزيد من قوات العمليات الخاصة في العراق وسوريا، وتسليح المقاتلين الأكراد والسنة، وإنشاء منطقة حظر طيران سوري لدعم الجهود الأمريكية في محادثات السلام.
على الجانب الآخر، كانت الدوائر المقربة من هيلاري كلينتون إبان ترشحها للرئاسة الأمريكية، تؤكد أن سياستها حال فوزها بالانتخابات الرئاسية فيما يتعلق بمسألة إيران، والعلاقات الثنائية بين البلدين، هي طي صفحة الخلافات بين البلدين بعد ثماني سنوات من الاضطرابات؛ لإعادة بناء الثقة بين قادتهم وشعوبهم، كما أنَّ رؤيتها تتفق مع رؤية إدارة أوباما لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنها ترفض أدواته التي استخدمها في ذلك، وذلك بحسب صحيفة «جورزاليم بوست».
وهكذا كانت سياسة هيلاري خلال إدارة أوباما، وما كشفته في الحملة الانتخابية، مساغًا يستخدمه المرشح الجمهوري؛ للتفوق على منافسته الديمقراطية، حتى جاءت لحظة تسريبات البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون لتقضي على أحلامها الانتخابية.
تسريبات «كلينتون».. فصلٌ دائمٌ في السباق الانتخابي
قبل أربعة أشهر من بدء الانتخابات الأمريكية، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، صرَّح مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي، في الخامس من يوليو (تموز) 2016، بأن هيلاري كلينتون ومساعديها ربما انتهكوا القانون باستخدام خادم بريد إلكتروني خاص عندما كانت وزيرة للخارجية، لكن أفعالهم لا تستدعي توجيه اتهامات جنائية.
ذلك التصريح أثار حفيظة دونالد ترامب المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية آنذاك، ما جعله يدعو روسيا صراحةً، في 28 يوليو 2016، خلال أحد المؤتمرات الانتخابية، إلى اختراق بريد منافسته هيلاري كلينتون مرشحة الحزب الديمقراطي، واسترجاع ما يقرب من 30 ألف رسالة إلكترونية كانت قد حذفت بدعوى أنها رسائل شخصية.
وحينها، أثارت تعليقات ترامب ضجة من حملة هيلاري، التي انتقدت التصريحات باعتبارها تهديدًا للأمن القومي، لا سيَّما أنه كانت هناك كلمات إطراء وجهها ترامب، للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إِبَّان حملته الانتخابية.
وحاولت حملة ترامب، إظهار أن دعوة مرشحها للحصول على رسائل هيلاري كلينتون ليست من أجل الاختراق، ولكن لتسليم رسائل البريد الإلكتروني، إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.
وبالتالي، كان البريد الإلكتروني الخاص لهيلاري كلينتون في فترة توليها وزارة الخارجية منذ عام 2009، من أبرز الموضوعات التي استخدمها المرشح دونالد ترامب وحزبه الجمهوري، في حملتهما ضد الديمقراطيين، وبات الآن فصلًا مهمًا في السباق الرئاسي لعام 2020، كما كان الحال في 2016، إذ يوجه ترامب من خلالها ضربة جديدة، في صورة المرشح الديمقراطي الرئيسي «بايدن»، حتى أنَّه غرَّد على تويتر في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2020، قائلًا: «أوباما، بايدن، والمحتالة هيلاري والعديد من الآخرين تورطوا في الخيانة والتجسس للإطاحة بمرشح منتخب، وهو ما يمثل جريمة جنائية. كيف يُسمح لبايدن الآن بالترشح للرئاسة؟».
وبالتالي، استخدام «تسريبات كلينتون» دائمًا في السباق الانتخابي الأمريكي، يقودنا إلى التساؤل حول مدى صحة التسريبات؟
هل تسريبات «هيلاري كلينتون» صحيحة؟
تستند مؤخرًا وسائل الإعلام الخليجي، في تركيزها على تسريبات بريد هيلاري كلينتون، إلى ما نشرته ويكليكس، حول إخفاء مؤسسة كلينتون تلقيها مليون دولار هدية من قطر، إبان انتفاضة ثورات الربيع العربي، ووقت تولي هيلاري منصب وزارة الخارجية الأمريكية.
لكن ما يجدر الانتباه إليه، أن مؤسسة كيلنتون، لا تعلن عن كل مبلغ دفعه كل متبرع بالتحديد، لكنها تضع اسمه ضمن تصنيف يتدرج من أعلى شريحة متبرعين إلى الأقل. وبالتالي، نجد- بحسب الموقع الرسمي للمؤسسة- أنَّ أغلب حكومات الدول الخليجية تبرعت بسخاء للمؤسسة الأمريكية.
وإذا دققنا النظر، نجد أنَّ شريحة المتبرعين من 10 إلى 25 مليون دولار تضم المملكة العربية السعودية، بينما شريحة المتبرعين من 5 إلى 10 ملايين دولار تضم دولة الكويت، وتضم شريحة المتبرعين من مليون إلى 5 ملايين دولار، كلًا من الإمارات العربية المتحدة، وعائلة زايد، ومؤسسة دبي، وتجمع أصدقاء السعودية، وسلطنة عُمان، ودولة قطر.
وعلى الرغم من تصريح المؤسسة، بأن تبرعات الرعاة والمانحين للمؤسسة الأمريكية من أجل العمل الخيري، إلا أنَّ هناك تقارير أمريكية كشفت أن تلك التبرعات هي نتاج تقارب مثبت بين هيلاري كلينتون وحكام الدول العربية والخليجية.
وبيَّنت تلك التقارير، أنَّ عددًا من دول الخليج على رأسهم المملكة العربية السعودية، تلقوا صفقة طائرات عسكرية، مقابل تلك التبرعات، وفقًا لتحقيقٍ أجرته «International Business Times».
وإذا كان القانون الفيدرالي يمنع الحكومات الأجنبية التي تسعى للحصول على تصريح من وزارة الخارجية لشراء أسلحة أمريكية الصنع، من تقديم مساهمات مالية، وهو حظر يهدف إلى منع المصالح الأجنبية من استخدام النقود للتأثير في سياسة الأمن القومي، إلا أنَّ هناك ثغرة، لا تمنع تلك الدول من المساهمة في مؤسسة خيرية يسيطر عليها القادة الأمريكيين وصناع السياسة.
وعلى الرغم من ذلك، كانت رسائل هيلاري كلينتون المسرَّبة تتهم حكومتي المملكة العربية السعودية، ودولة قطر بتقديم الدعم المالي واللوجستي لـ«تنظيم الدولة الإسلامية» (داعش) والجماعات المتطرفة الأخرى، بحسب ما كشفته ويكليكس، من محادثات «كلينتون» مع جون بوديستا، الذي كان يعمل آنذاك كبير مستشاري الرئيس باراك أوباما، في 27 سبتمبر 2014، وقُدِّم هذا الاتهام السابق، ضمن مذكرة تبحث كيفية هزيمة «تنظيم الدولة الإسلامية». لكن إذا كان هناك دعم متبادل بين حكام الأنظمة العربية والخليجية، وهيلاري كلينتون، عبر مؤسستها الخيرية، فهل دعّمت الوزيرة الأمريكية من ناحية أخرى ثورات الربيع العربي؟
هل دعَّمت هيلاري كلينتون ثورات الربيع العربي؟
تتقاطع تلك التقارير الإعلامية السابقة، مع التصريحات التي كانت تُدلي بها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، حول بعض الحكام العرب قبل انتفاضة ثورات الربيع العربي.
ففي الشأن المصري، أطرت الوزيرة الأمريكية، خلال مقابلة تليفزيونية مع قناة العربية السعودية، في التاسع من مارس (آذار) 2009، بكلمات عن الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك وقرينته، وعدَّتهما صديقين لعائلتها.
وحتى مع خروج آلاف المصريين إلى الشوارع في يناير (كانون الثاني) 2011، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تصف نظام حسني مبارك بأنه «مستقر»، وحذرت زملاءها في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، من التخلص من شريكهم القديم.
وكانت تَعدُّ «كلينتون» نفسها، بحسب كتابها «خيارات صعبة»، ضمن المعسكر «الواقعي» لنظرة الإدارة الأمريكية في مآلات انتفاضة الشعب المصري.
وكانت ترى أنَّه على الرغم من التاريخ الطويل للاستبداد خلال حكم «مبارك»، إلا أنه لا ينبغي لأحد أن يتوقع وضع اللبنات الأساسية للديمقراطية في مكانها الصحيح بين عشية وضحاها.
وعلى الرغم من قول الإعلام الخليجي في المعسكر المعارض للربيع العربي، أن هيلاري كلينتون تحدّثت في كتابها الأخير عن مخطط بالتعاون مع حركة «حماس» الفلسطينية؛ لإقامة دولة إسلامية في سيناء، بعد سقوط الرئيس الراحل محمد مرسي، إلا أنَّ تقارير صحفية نفت تلك الادعاءات وفندتها.
وفي الشأن السوري، تحدثت «كلينتون»، على قناة سي بي إس الأمريكية، في 27 مارس (آذار) 2011، (بعد انطلاق الثورة السورية بـ 12 يومًا)، وقالت عن الرئيس السوري بشار الأسد: «هناك زعيم مختلف في سوريا الآن، العديد من أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين الذين ذهبوا إلى سوريا في الأشهر الأخيرة، قالوا إنه زعيم إصلاحي».
لكن ذلك التصريح، خالف محادثات «هيلاري كلينتون» المسربة بعد ذلك، مع جون بوديستا، التي أشارت إلى وضع خطط من أجل تزويد الجيش السوري الحر، أو مجموعة من القوى المعتدلة، بالمعدات التي ستسمح لهم بالتعامل مع «تنظيم الدولة الإسلامية»، الذي يعاني ضعفًا وارتباكًا في التنظيم، فضلًا عن تكثيف العمليات ضد النظام السوري.
وفي الشأن الليبي، كانت هناك رسائل مسرَّبة من البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، مع مستشارها غير الحكومي سيدني بلومنتال، تتعلق بالعقيد معمر القذافي، والتدخل بتنسيق بين فرنسا والولايات المتحدة في عام 2011 للإطاحة بالقذافي، إبان الثورة الليبية.
وتحدثت الرسائل بينهما عمّا يتعلق بالدينار القائم على الذهب، الذي كان ينوي القذافي إصداره، ويمثل تهديدًا وجوديًا محتمل لمستقبل الدولار الأمريكي باعتباره عملة احتياطية عالمية، وبحسب الرسائل المسرَّبة، كانت ليبيا تمتلك 143 طنًا من الذهب، ومثلها من الفضة، بقيمة تُقدر بأكثر من 7 مليارات دولار.
لكن تقارير أمريكية، كشفت أن مكتب هيلاري كان غارقًا في الشائعات، التي تأتي عبر تقارير مساعدها الصحافي الأمريكي «بلومنتال» في ليبيا، بحسب رأي باتريك هايمزاده الدبلوماسي السابق في السفارة الفرنسية بطرابلس، وعزا ذلك لاستشهاد بلومنتال في رسائله إلى كلينتون بمصادر مجهولة ادَّعت أنها قريبة من النخب السياسية في البلاد.
بيْد أنَّ دوافع الإدارة الأمريكية كانت تعمل على التخلص من الحاكم الليبي، حتى أنَّه في وقت مبكر من الثورة الليبية، اتهمت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون رسميًا معمر القذافي وجيشه باستخدام الاغتصاب الجماعي أداةً للحرب، في محاولة لإظهاره مجرم حرب للتخلص منه، على الرغم من أن العديد من المنظمات الدولية، مثل منظمة العفو الدولية، دحضت هذه المزاعم.
وبالتالي، كانت تلك الدوافع متسقة مع مشهد ارتفاع ضحكات هيلاري، عندما وردها نبأ مقتل القذافي، خلال مقابلة تليفزيونية مع سي بي إس، وحينها علَّقت على الخبر قائلة: «أتينا، رأينا، مات»، على نمط المقولة الشهيرة للقائد الروماني يوليوس قيصر «أتينا، رأينا، انتصرنا».
وهكذا، فإن هيلاري كلينتون، كانت تعمل وفق المصالح الاقتصادية والسياسية لبلادها، لكن لا يعني ذلك أن تكون ثورات الربيع العربي في المنطقة، كانت بدعمٍ مباشرٍ منها، كما تم إيضاحه، والحال كان مختلفًا من بلد إلى أخرى، إذ تباينت تحركاتها، وكانت باعتبارها مسؤولة عن خارجية القوة الأكبر في العالم تحاول الاستفادة من مجرى الأحداث في صالح بلادها لا صالح الشعوب، فتحاول تحريك مجرى الثورة الليبية على سبيل المثال لما يخدم المصالح الأمريكية بتبديل القذافي بسلطة أخرى أكثر انصياعًا لبلادها، لكن لا التسريبات ولا أي دليل آخر موثق حتى الآن يظهر أن هيلاري أو غيرها في الإدارة الأمريكية هم من حركوا الربيع العربي أو زرعوه.