الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها (8)
عائشة حجار- محاضرة جامعية وطالبة دكتوراه في الإعلام الحديث
لنتحدث هذه المرة عمّا لا يقوله الاعلام، لنتحدث عن الرسالة التي يبثها الصمت، آخذين بالحسبان أن الصمت هو السكون، لكنه أيضا أقرب ما يكون إلى الموت. لنتحدث عن ذاكرتنا وأنفسنا في الاعلام، لا، ليس الاعلام الاسرائيلي أو الغربي أو أيا يكن الاعلام الذي اعتدنا على مطالبته بإنصافنا، بل لنتحدث عن إعلامنا نحن فلسطينيو الداخل، عرب 48، العرب في اسرائيل، تلك المجموعة التي لم تنجح حتى اليوم حتى بالاتفاق على اسم موحد لها.
من أكثر الامور إيلاما أن لا ينصفنا الاعلام المحسوب علينا، أن لا يظهرنا وأن يعاملنا كجمهور خامل يبحث عن بعض الاخبار الصفراء بدون أدنى حد من الوعي الاجتماعي السياسي والاقتصادي، وهذا الوضع موجود لا يمكن إنكاره.
هناك حقل كامل من الأبحاث في الإعلام والتاريخ، يتحدث عن الذاكرة الجماعية التي يلعب الإعلام دورا مركزيا فيها. عندما أظهر لك حدثا تاريخيا وأغيّب آخر، فإنني ابني لك ذاكرتك كفرد من شعبك، أعرّفك على مكانك في هذا العالم، ويمكن أن أقنعك أنك جزء من شعب مختار أو شعب لا يفكر إلا بكرشه، وبهذا يمكنني أيضا أن أجعلك تتصرف كواحد من هذا الشعب الذي صوّرته لك، وإذا خالفت الصورة السائدة فقد تشعر بعدم الانتماء لهذا الشعب الفاشل، لتتحول إلى منظّر منبهر بالغير ومحتقر للحضارة التي جاء منها. معقول أن كل هذا من الإعلام وحده؟ لأنني لا احب التطرف في الكلام سأقول: إن معظم وعينا السياسي يبنيه الاعلام، إلا من أتى من بيت مسيّس وكلف والداه أنفسهما عناء الحديث معه عن هويته بين الحين والآخر.
لنأخذ مثالا على بناء ذاكرتنا الجماعية، قضية انتفاضة الاقصى (ركز، اسمها مش اكتوبر)، لقد وصلنا الى وضع مأساوي فيه تكتفي وسائل الاعلام الكبرى بنشر بعض التقارير حول فعاليات إحياء هذه الذكرى لرفع العتب عنها، وتكتفي أكثرية الزعامة والقيادة في الداخل بطرق تقليدية لإحياء الذكرى، دون العمل على الوصول إلى الجيل الشاب ونقل القصة إليه. لا يعقل أن يفقد مجتمع ثلاثة عشر شابا دون أن تكون مبادرة واحدة قوية بما فيه الكفاية لتخليد هذه الذكرى، لا يعقل أن نصل إلى مرحلة نرى أن معرفة مصطلح “انتفاضة” نادر بين الشباب دون سن الخامسة والعشرين.
تكمن خطورة تغييب الاحداث التاريخية من التغطية الإعلامية والاكتفاء بعرض صور من بعض الوقفات لإحيائها، في محو الوعي والهوية لدى فلسطينيي الداخل ليتحولوا الى مجرد أقلية قومية تستجدي فتات الحقوق، عدا عن الاستخفاف بالمطالبة بحقوقهم المشروعة والاعتقاد أن القضية الفلسطينية في الداخل حكر على نخبة مترفة ومنقطعة عن الواقع الاجتماعي، في حين أن ما يصنع واقعنا الاجتماعي ليس الا وعينا السياسي.
إذا ما الحل، في ظل تخاذل معظم النخب التي تسوق بنفسها خطاب الأقلية القومية؟ لا بد هنا من استخدام الإعلام البديل، ذلك الذي ندعوه الشبكات الاجتماعية، لا بد من أن يستلم الشباب زمام مصيرهم ويصنعوا ذاكرتهم بأنفسهم. اسألوا أهلكم من أين أتوا ومن الذي أوصلهم الى هنا، راجعوا كتب تاريخكم وارفضوا أن يقنعكم أحدهم، أن تاريخكم سلسلة من الخيبات والخيانات، وإذا كنتم ممن سمع القصة الصحيحة فعليكم مسؤولية نشرها في كل منصة ممكنة، فالإعلام اليوم أصبح ملكا للجميع تماما كالذاكرة.
ملاحظة: إذا كان هناك أي نص إعلامي ترغبون بأن أتناوله في الحلقات القادمة أرسلوا إليّ اقتراحاتكم، ملاحظاتكم، نصائحكم عبر الفيسبوك: Aysha Hjjar