السيسي يسابق الزمن للتهدئة في الريف: محاولات أقرب للفشل
يسابق النظام المصري برئاسة الانقلابي عبد الفتاح السيسي الزمن لاحتواء الحراك الشعبي وإعادة الهدوء إلى المناطق الريفية التي شهدت تظاهرات واسعة الأسبوع الماضي، وذلك قبل تجدد التظاهرات يوم الجمعة المقبل، وتخوفاً من امتدادها إلى مناطق ريفية أخرى. ويأتي ذلك مع تعثر عودة الاستقرار بشكل كامل للقرى التي شهدت تظاهرات حاشدة أيام الأحد والإثنين والجمعة الماضية، في 8 محافظات، هي الجيزة وبني سويف والمنيا وأسيوط والأقصر وأسوان ودمياط والمنوفية.
وتشهد أروقة ودوائر صناعة القرار المصري حالة من الاستنفار، في أعقاب التقارير الأمنية التي تعدها أجهزة المعلومات بشأن الأوضاع في الشارع المصري، في أعقاب التظاهرات والفعاليات الغاضبة التي اجتاحت عدداً كبيراً من القرى والمراكز يوم الجمعة الماضي، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر عن توجيهات بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتهدئة المناطق الغاضبة، وتنفيذ سريع لحزمة إجراءات بهدف امتصاص الغضب. وكشفت المصادر أنه كان من ضمن التوصيات التي أشار بها جهاز الاستخبارات العامة التعامل مع مطالب كل منطقة على حدة، خصوصاً بعدما لوحظت مشاركة مواطنين لا ينتمون إلى أي تيارات سياسية، وذلك بعد تأثر حياتهم اليومية نتيجة القرارات الحكومية الأخيرة.
وبعد ساعات من اعتراف النظام للمرة الأولى بحدوث التظاهرات، عبر تصريحات للمتحدث الرسمي في مجلس الوزراء نادر سعد، على القنوات التابعة للاستخبارات العامة، ولكن في إطار التهوين من الحراك، ووصفه بأنه “مطالبات شعبية فئوية جادة تعاملت الدولة معها لعلاج المشاكل”، ظهر السيسي بنفسه، متراجعاً عن واحد من أهم القرارات السلبية التي أصدرها وألّبت الرأي العام ضده هذا العام. وأعلن أمس الأحد، قرب عودة نشاط البناء الذي كان قد أعلن وقفه لمدة 6 شهور، لإعادة تشغيل المواطنين وتجاوز مشكلة تفاقم البطالة في المناطق الأكثر احتياجاً. وكلّف السيسي رئيس الحكومة مصطفى مدبولي بسرعة وضع الاشتراطات الجديدة للبناء، تمهيداً لعودة الأنشطة الإنشائية في أسرع وقت.
وقال السيسي، خلال حضوره حفل افتتاح مصنع تكرير البترول بمسطرد، إن وقف البناء لمدة 6 شهور “كتير على الناس”، على الرغم من أنه كان صاحب القرار الذي كانت له انعكاسات اقتصادية واجتماعية خطيرة. وفي محاولة لإنقاذ ماء الوجه جرّاء التنازلات المستمرة في هذا الملف تحت وطأة الغضب الشعبي، استطرد قائلاً: “معنى ضرورة وضع منظومة جديدة، أننا كنا نسير بطريقة خاطئة من قبل، ويجب على الجميع الالتزام في مختلف المناطق”. كذلك أعلن صرف 500 جنيه (31 دولاراً أميركياً) شهرياً للعمالة غير المنتظمة حتى نهاية العام، ملمحاً إلى أحداث الحراك الشعبي الأسبوع الماضي بأن حالة عدم الاستقرار لن تساعد في جذب الاستثمارات وتطوير المشروعات واستغلال البنية التحتية التي يتم إنجازها حالياً في مصر. وقال إن “أحداث 2011 عطّلت العديد من المشروعات، وأدت إلى انهيار بعضها وتشريد العاملين”.
وزعم السيسي أن الشعب المصري لم يستجب لما وصفه بـ”الدعوات الهدّامة لإشاعة الفوضى وعدم الاستقرار”، وعاد من جديد لسياسة تخويف المصريين من مصير سورية وليبيا والعراق، بعرض القائمين على الحفل فيديو تسجيلياً خارج سياق المشروعات التي يتم افتتاحها، يوضح الأوضاع الميدانية في بعض الدول. وعلّق السيسي على الفيديو بقوله إن “ربنا حمى مصر، وقال مصر لأ”، مطالباً وسائل الإعلام بتكرار تذكير المصريين بمصير الدول التي “تحكم فيها الإرهاب وشاعت فيها الفوضى، والتي يتطلب إعمار إحداها الآن 400 مليار دولار”.
غير أن السيسي، الذي حاول مداعبة عواطف الجماهير، والظهور بصورة واثقة مغايرة لما ظهر عليه بعد تظاهرات 20 سبتمبر/ أيلول 2019، استغرق في مطالعة وعرض افتتاحات المشروعات في الطرق والكباري وتكرير البترول، والتي لا يشعر بأثرها على الإطلاق المواطنون في المناطق الأكثر فقراً، وبصفة خاصة القرى والنجوع التي خرجت منها تظاهرات الأسبوع الماضي.
بل إن السيسي أعلن أن الدولة أنفقت أكثر من 83 مليار جنيه (5 مليارات و250 مليون دولار أميركي) خلال 7 سنوات على مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، معظمها على البنية التحتية من مشروعات المياه والكهرباء والطاقة التي تُحرم منها في الوقت نفسه معظم المناطق الريفية بمصر، في مفارقة تعكس غياب شعوره بالأسباب الحقيقية للخروج الجماهيري ضده. ويعتقد السيسي أنه يمكنه تسوية هذا الاضطراب، باتباع سياسة المسكنات الاقتصادية، وشغل الرأي العام وأذهان المواطنين بمتابعة إجراءات عودة البناء واشتراطاته، وإجراءات صرف إعانة العمالة غير المنتظمة، كما حدث من قبل مع صرف معاش “تكافل وكرامة” وإعانة الوظائف المتأثرة بجائحة كورونا. ويتوازى ذلك مع التوسع في البطش الأمني بالمناطق المضطربة، كما هي الحال الآن مع استمرار حملات الاعتقال في المحافظات التي شهدت التظاهرات، بالإضافة إلى القاهرة والإسكندرية.
وتوضح مؤشرات الحراك الأخير الذي سار بوتيرة أكثر حدة من أي تصورات أمنية مسبقة، أنه سيكون من الصعب على السيسي الرهان على نجاح تلك المسكنات، فكل القرارات التي تعهد بها، إلى حد قوله لرئيس حكومته “عايزين نوعد الناس بحاجة”، ستستغرق وقتاً طويلاً، خصوصاً أن المحليات غير مستعدة لإعادة البناء إلا بعد شهرين من الآن، فضلاً عن عدم وضوح آلية صرف الإعانة للعمالة غير المنتظمة وغياب معايير تحديدها حتى الآن. كما أن خبرة المواطنين، لا سيما في الريف، مع وعود الحكومة السابقة، خصوصاً في ملف التصالح بمخالفات البناء، ليست إيجابية، بسبب فشل إجراءات التقدم والسداد المعقدة والمرتبكة في تمكين جميع المواطنين من المطالبة والسداد، فضلاً عن ضخامة المبالغ المالية بالنسبة للسواد الأعظم منهم. وكان قرار السيسي بوقف البناء قد أثّر على قرى محافظة الجيزة، وتحديداً في مراكز أطفيح والصف والعياط، التي يتركز فيها 650 مصنعاً لإنتاج الطوب (65 بالمائة من الإنتاج المحلي)، والتي توقفت النسبة العظمى منها عن العمل، فأورثت للقرى البطالة وانخفاض الدخول.