كيف تم تصنيع قضية المرأة في ديارنا (3).. الخطوة التالية… تقصير الملابس
ليلى غليون
إن الهدف الذي يصبو إليه المتآمرون وأهل التبشير أكبر من مجرد سقوط الحجاب، فسقوط الحجاب مرحلة أولية أو تمهيدية لسقوط ما هو أكبر من ذلك، لأن المطلوب سقوط الأخلاق والقيم، والحياء، ولن تسقط الأخلاق والقيم والحياء، إلا بزعزعة ثوابت الدين وتجفيف منابعه من النفوس وإقصائه عن حياة الناس، لتأتي الخطوة الثانية وهي تجريد المرأة من لباس الحياء. إذن الخطوة التالية، إحداث تغيير في لباس طالبات المدارس ولكن بحذر شديد وبالتدريج، ليصبح لباس الطالبات عبارة عن (مريولة) لا تقوم بواجب التغطية لكل الجسم، بل تكشف القدمين لتستعين الفتاة بجوارب تغطي ما كشفته (المريولة)، فالأمر إذن حسب هذا الوضع لا يعيب ولا يخدش حياء الفتاة ما دامت الجوارب تغطي المكشوف حتى لو قصرت المريولة، كذلك فلا ضرر ولا ضرار لو تقلصت أكمام المريولة بعض السنتمترات فلن تخرب الدنيا، ولن يمس ذلك من شرف الفتاة…! وهكذا بدأت عملية التقلص والتقصير في الملابس شيئًا فشيئًا وبدأت المرأة تكشف بعضًا من جسدها، وعملية التغيير هذه أخذت تتوسع وتنتشر في المجتمع، وتتقبلها العيون والأذواق، والعقول التي بدأت تفكر باتجاه ومنحنى آخر وطريقة جديدة، لتصل إلى نتيجة مفادها، أن القيم والأخلاق وكذلك الدين محله القلب ولا علاقة له بالمظاهر والشكليات، ولا باللباس، بمعنى أن الفتاة يمكنها أن تلبس ما تشاء وفي نفس الوقت تحمل من القيم العظيمة والمبادئ الراقية، فما دخل اللباس بالأخلاق؟! وهذه ضربة ثانية أشد وجعًا من ضربة سقوط الحجاب لتزلزل مبادئ العقيدة في نفس الفتاة المسلمة، إذ إن اللباس الشرعي للمرأة هو هويتها الإسلامية وهو من لب عقيدتها، وهو فرض عليها فرضه الله تعالى لحكمة منه، وهذه النظرة الجديدة للباس كأنها تقول للمرأة: ما دخل الدين والإيمان باللباس، أي بإمكانك أيتها المرأة أن تكوني مسلمة وفي نفس الوقت تلبسين على الموضة كما تلبس المرأة الأوروبية…بمعنى اعلان ثورة وانقلاب على اللباس الشرعي، وبمساعدة الإعلام وظهور الصحافة النسائية المصورة والمجلات النسائية والتي بدورها ركّزت على المظاهر والموديلات والازياء حتى استقرت هذه الخطوة أيضًا وبدأت الأزياء الغربية تغزو المجتمعات المسلمة لتجد لها الصدى الفعال والقبول لدى النساء.
دور الجامعة في حياكة القضية
في هذه المرحلة، أخذت القضية المسماة بقضية المرأة، تدق على طبول مصطلح جديد رنان وهو مصطلح مساواة المرأة بالرجل… فالفتاة من حقها أن تدخل الجامعة مثل الشاب… (ولقد قالوا كلمة حق يراد بها باطل… فمن يقول إن الإسلام يحرم المرأة من دخولها الجامعة وتبوئها أرقى درجات العلم؟! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (طلب العلم فرض على كل مسلم ومسلمة) والله تعالى يقول: (وقل ربي زدني علمًا)، وهذه الآية يقرأها الرجل كما تقرأها المرأة، ولكن ظهور مصطلح المساواة في التعليم في هذه المرحلة بالذات، ما هو إلا تمهيد للمطالبة بمساواة ذات أهداف خبيثة لا تزال خباياها مدفونة في أذهان ونوايا هؤلاء المتآمرين سيكشف عنها لاحقًا وفي الوقت المناسب. فبعد صراع ليس بالبسيط بين مؤيدي ومعارضي تعليم الفتاة الجامعي، تدخل الفتاة الجامعة كما قال المفكر الإسلامي محمد قطب: (لا لتتعلم فقط، بل لتتحرر من الدين…والأخلاق…والتقاليد) ليقول المؤيدون إن التعليم والاختلاط والحرية ما هي إلا حقوق للفتاة سلبها إياها الدين (وهذه هزة أخرى عنيفة لزلزلة ثقة المرأة بدينها وإسلامها خصوصًا وإن المرأة في تلك الفترة عاشت في بيئة يغلب عليها الأمية الدينية والجهل العقائدي والتي ألهبت ظهرها بسياط الظلم وهضم الحقوق…ولكن الحقيقة التي كانت غائبة أو مغيبة، أن الذي ظلم المرأة هي العادات والتقاليد وليس الدين).
وبطبيعة الحال لم يكن دخول الفتيات للجامعة دفعة واحدة بل جاء بالتدريج، حيث دخلت أربع فتيات كلية الآداب في الجامعة المصرية في خطوة جديدة من نوعها في جو مشحون بالحذر والترقب، لتخوض هؤلاء الفتيات التجربة يحطمن الحواجز بكل جرأة، وقد كتبت إحداهن في مذكراتها وتدعى أمينة السعيد: (إن في الاختبار الشفوي للغة الانجليزية كانت اللجنة مكونة من أستاذ مصري وآخر انجليزي فبادرها الأستاذ الانجليزي بالسؤال عن رأيها في الحب، لتتلعثم في بداية الأمر، ثم وجدت نفسها تنطلق في الحديث عن الحب بلا تلعثم أو حياء). لتصبح الجامعة من أكبر وسائل التغريب، كونها غدت منبرًا لمهاجمة الإسلام تخرج أجيالًا متمردين على دينهم مستخفين بعقيدتهم بل معتبرين الحضارة والتقدم بإقصاء الدين عن حياتهم.
كيف لا، والمدرسون والأساتذة في الكليات والجامعات ليسوا إلا مستشرقين زُرعوا في هذا الصرح للقدح في الإسلام وتشويه صورته وقد كان من بين هؤلاء المستشرق اليهودي (مرجليوت) الذي كان يقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنه مجهول النسب وغيرها من الأفكار المسمومة التي فتكت بعقلية الشباب الجامعيين وكذلك الشابات ممن تعرضوا لغسيل دماغي رهيب أسفر عن تخريج مفكرين أحرار!! تنكروا لدينهم وقاموا بواجب التغريب في مجتمعهم خير قيام.
وهكذا أتقنت الجامعة دورها في تكريس الفكر التغريبي، فها هي كلية الحقوق تنشئ الأجيال التي تدعو إلى القانون الوضعي وتبعد عن الأذهان التحكيم بشرع الله، وها هي الكليات الأخرى تخرج الأطباء والمهندسين وباقي التخصصات ولكن على الطريقة الغربية المحضة، فهم بعيدون كل البعد عن الدين ومفاهيمه لا بل معتبرين الدين خرافة وعائقًا دون التقدم والازدهار.
وللكلام بقية في الاسبوع القادم، إن شاء الله.
(هذه السلسلة تلخيص لكتاب ” قضية المرأة “للأستاذ محمد قطب مع بعض التصرف).