صرخة أم خائفة موجوعة
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
أنا كاتبة هذه المقالة، وأنا أم، ولي أبناء وبنات وأحفاد، وبات يزداد قلقي يوما بعد يوم على تعود العنف فينا، سواء كان عنف المؤسسة الإسرائيلية اتجاهنا، أو عُنفنا الأعمى اتجاه بعضنا، وبت أعيش، يوميا، خوفا شديدا، على بيتي وعلى بلدتي أم الفحم وعلى كل مجتمعي في الداخل الفلسطيني، وبت أتنفس الصعداء كلما عاد أولادي إلى بيتنا مساء كل يوم في صحة وعافية وأمن وأمان، ناجين من ويلات العنف الأعمى الذي بات يهدد مصيرنا، وبت كل يوم أقلب صفحات التواصل الاجتماعي، لأعرف هل قُتل أحد أبناء مجتمعنا الفلسطيني في هذا اليوم؟! وهل جُرح بعض أبناء هذا المجتمع في هذا اليوم؟! وأين وقعت فاجعة مقتل فلان أو جرح فلان؟! وبت أشعر بالملل كلما سمعت أحد المسؤولين منا في الداخل الفلسطيني أو قرأت على لسانه، أنه يُحمّل الشرطة الإسرائيلية مسؤولية استفحال غول العنف فينا، ويطالبها أن تقوم بواجبها، وأن تبادر إلى جمع كل السلاح من كل مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، وبت أقول لنفسي: لا زلنا منذ عقدين نجتر هذه الجملة ونكررها بعد وقوع فاجعة كل قتل فينا صارخين: نحمَّل الشرطة الإسرائيلية المسؤولية!! نطالب الشرطة الإسرائيلية بجمع كل السلاح منا!! ثم نكتشف فيما بعد أننا خاطبنا شرطة صمّاء لا تسمع، وكأننا ما خاطبناها، بل بات الكثير منّا يصرّح بلا تردد: إن الشرطة الإسرائيلية أحد أسباب انفجار قنبلة العنف الدموي فينا!! وهذا يعني أننا يوم أن نخاطبها فإنما نخاطب العنوان المتآمر علينا في مأساة هذا العنف الذي بات يحصد أرواحنا، بلا رحمة، وكأننا في حرب أهلية مسعورة لا تدع أحدا من بيوتنا إلا لطمته لطمة، وكلما قيل انقضت تمادت، حتى أن هذا الغول الدموي الأعمى الذي اسمه العنف، بات أخطر علينا من ويلات حوادث الطرق ومن ويلات كورونا، ومن ويلات أي مرض فتّاك.
وظلّ في داخلي السؤال المطروح منذ أكثر من عقدين ماذا نفعل؟! أن نرفع الراية البيضاء، هذا حرام في ديننا وخيانة وطنية!! وأن نقف موقف المتفرج المصدوم العاجز، هذا حرام في ديننا وخيانة وطنية!! وأن نقف عند حد عقد الاجتماعات الطارئة وإصدار البيانات الطارئة، هذا حرام في ديننا وخيانة وطنية!! وأن يَستغل بعضنا أوجاعنا الغائرة فينا حتى النخاع مدَّعيا أن هذا عنف ذكوري لا يهدد إلا النساء ليملأ جيبه من صناديق الدعم الصهيونية الأمريكية!! لا أسمي ذلك إلا نذالة وخيانة وطنية!! وأن يستغل بعضنا صرخات أرامل وأيتام ضحايا العنف، مدعيا أنه لأجلهم اضطر أن يوصي بالجنرال غانتس رئيسا للحكومة وأن يعلن استعداده للتحالف معه!! لا أسمي ذلك إلا سقوطا وطنيا مدويا!! ثم الأهم من كل ذلك لا زال هذا السؤال يصدّع رؤوسنا منذ أكثر من عقدين: ماذا نفعل؟! أين الحضور الجماهيري لكل أحزابنا وحركاتنا في الداخل الفلسطيني الذي طالما افتخر به كل حزب وحركة مدعيا أنه الأكثر حضورا بين جماهيرنا؟! أين هو ولماذا لا يستثمره لمواجهة العنف الأعمى فينا؟! أين البرامج السياسية التي لا تزال تدبجها الكثير من القوائم المحلية لخوض انتخابات السلطات المحلية أو الكثير من القوائم الكنيستية مدعية في ديباجة هذه البرامج السياسية أنها ستقضي على دابر العنف؟! أين هي هذه البرامج؟! لماذا تتحول إلى حبر على ورق بعد انتهاء الانتخابات المحلية أو انتخابات الكنيست؟! أين هي مصداقية الشعارات التي ملأت بها القائمة المشتركة كل بلداتنا في الداخل الفلسطيني بواسطة سامر سويد وشركاه، مدّعية فيها أنها ستجتث العنف الأعمى فينا من جذوره؟! أين هي مصداقية المؤتمرات والخطط والبرامج التي سمعنا عنها، والتي أطلقتها بعض القيادات فينا لمواجهة جائحة العنف؟! أين هي مراكز الأبحاث فينا وأين هم حملة الشهادات العليا في الدراسات الإنسانية فينا وأين هي الأقلام المنظرة فينا، وأين هم نخبة الوعي السياسي وصفوة المثقفين وأهل الاختصاص فينا، أين هي مصداقية دورهم؟! لماذا لا نرى لهم دورا ملموسا ينزلون به من أبراجهم العاجية إلى شارع آلامنا وهمومنا وأنيننا وهمومنا التي باتت كجبل المصائب بسبب غول العنف فينا؟!
حاشا الله تعالى أن أقول سقطت كل أحزابنا وكل حركاتنا في الداخل الفلسطيني!! وحاشا لله تعالى أن أقول سقطت كل برامجنا وشعاراتنا ووعودنا وجهودنا في الداخل الفلسطيني!! وحاشا لله تعالى أن أقول بات أبناؤنا في مواجهة جائحة العنف كالأيتام على موائد اللئام وكالشياه العجفاوات في الليلة المطيرة، وكسرب أسماك تمخر في رمل الصحراء بلا ماء، حاشا لله تعالى أن أقول ذلك، ولكني أنا أم ولي قلب أم وقلبي على كل أولادي، وعلى كل أولاد مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، ماذا نفعل حتى تسكن قلوبنا وتتحرر من نار الخوف على كل هؤلاء الأولاد؟! ماذا نفعل حتى نعيش ليلة لا نسمع فيها أزيز الرصاص قرب شبابيك بيوتنا؟! ماذا نفعل حتى لا نظل أسرى الوساوس القهرية السوداء التي باتت تمور في صدورنا والتي باتت تصيح في داخلنا: انتظري دور فاجعتك يا فلانة!! ماذا نفعل حتى نأكل بهدوء ونشرب بهدوء وننام بهدوء ونتزاور بهدوء ونصلي بهدوء؟! ماذا نفعل؟!
لن أكون خيالية وأطالب بالاستنجاد بقوات حفظ السلام في الأمم المتحدة!! ولكن ماذا نفعل؟! هل من أحد فيكم يسمع؟! هل من جواب؟!