لا تجعلوا من بيوتكم بيت عنكبوت!!!
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
حق مشروع لك يا ولدي، أن تحلم بالزواج من فتاة أحلامك، وتأسيس بيت، وإنشاء أسرة خاصة بك. حق مشروع لك يا ولدي، أن تبني هذا البيت وتتفن في هندسته وشكله وحدائقه و ….. إلى آخر ما وصلت إليه التقنيات والتطورات التكنولوجية.
كذلك حق مشروع لكِ بنيتي، أن تحلمي بفارس أحلامك وبثوبك الأبيض وبحفلة زفافك، وأن تكون حفلتك مميزة يتكلم عنها القاصي والداني، وأن تكوني الأميرة في تلك الليلة، كل الأضواء مسلّطة عليك. وحق مشروع لك بنيتي، أن تختاري أثاث بيتك من أرقى الأثاث والفرش والتحف، فأنت ملكة هذا البيت.
ولكن لو أمعنّا النظر في هذه الأحلام المشروعة لكل شاب وفتاة، لوجدنا أن هذه الأحلام الوردية، مادية بحتة، قد تسعد رغباتنا لفترة ما، وبعدها نكتشف الحقيقة!!!!، حقيقة أن هذه المتطلبات ليست هي سر السعادة الزوجية والاستقرار النفسي والاطمئنان الأسري، لأن هذه الأسس الواهية التي نتطلع لتحقيقها عندما نقرر تأسيس أسرة، ما هي إلا سراب السعادة!!
نعم، نكتشف أننا نقوم ببناء أسرة جديدة وفق شروط بيت العنكبوت!!!! حيث اهتممنا بمظهر الأشياء وزخرفها، لا بجوهرها، وأن هذه الأسباب المادية التي نعتقد أنها سبب سعادتنا، ربما تكون هي نفسها سبب تعاستنا!!! وحتى أوضح ذلك فلنرجع إلى الآية الكريمة (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) وهي من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، حيث أثبت العلماء أن خيط العنكبوت الذي تبني به العنكبوت بيتها أقوى بثمان أضعاف مما يماثله من خيط الفولاذ!!!!! إذن لماذا وصف لنا الله بيت العنكبوت بأوهن البيوت؟!! برغم متانة وقوة خيطانه!! لأن الوهن هنا ليس وهن مادي، بل وهن معنوي، لأن أنثى العنكبوت بعد أن تتزاوج مع الذكر تقوم بقتله!!! لذلك أطلِق عليها الأرملة السوداء، وبعد أن تفقس العناكب الصغار، ويشتد ساعدها تقوم بدورها بقتل أمها، وبعد ذلك يقوم أبناء العنكبوت بقتل بعضهم البعض، حتى لا يبقى إلا ذكر وأنثى للتزاوج!! سبحان الله، هل رأيتم أضعف وأوهن من ذلك، برغم قوة بناء بيتهم المادية، إلا أنه بيت مدّمر بيت خرِب لا حب ولا ألفة فيه ولا تكافل.
وهذا ما لا نريده لبيوتنا ولبيوت أولادنا المقبلين على الزواج، لا نريد لهم بيوتا قوية البنيان كبيرة جميلة من الخارج، لكن يسكنها البرد والجفاء من الداخل، ويخيّم حولها شبح الخيانة والطلاق، كما يحصل في العديد من بيوتنا اليوم!!
نريد لكم يا أبنائي، بيوتا أسست على التقوى، تستطيع الصمود في وجه التحديات المحيطة، بيوتا ذات أسس متينة من الاحترام والرحمة والمودة، تبنى على أسس الاستقامة وتقوى الله ومخافته. وقد قال الله تعالى (أفمن أسس بنيانه على تقوى خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم) صدق الله العظيم.
نعم، نريد تأسيس بيوتنا على تقوى الله ومخافته، حتى تدوم وتستمر هذه البيوت، مستقرةً سعيدةً بإذن الله، لأن أعظم ما يميز البيت الإسلامي أن يكون الله بين الزوجين، فيضع كل واحد منهما مخافة الله أمام عينيه بتعامله مع الآخر، فلا يظلم أحدهما الآخر، بل تكون معاشرة بالمعروف، ووفق أسس وقواعد مهمة، تحفظ هذه المملكة (الأسرة المسلمة) التي باتت الحصن الأخير وخط الدفاع الأول عن ثوابتنا العقائدية والوطنية في ظل تحديات العولمة، ومن خلال الأسرة فقط نستطيع إعادة عزة الإسلام الضائعة، بعد سقوط جميع الأحصنة.
وحتى تقوم الأسرة بهذه المهمة الكبيرة والواجب العظيم، بالحفاظ على مجتمعنا والرقي به والعودة إلى العصر الذهبي للمجتمع الإسلامي، علينا أن نعمل وفق قواعد من القرآن والسنة النبوية في تأسيس هذا الصرح المجتمعي الصغير، الذي سيكون نواة وأساسا لمجتمعنا الكبير.
لذلك فقد أولى إسلامنا الحنيف أولوية عظمى ومكانة مرموقة للأسرة في الإسلام، فجعل عقد الزواج، أقدس عقد على الإطلاق، حيث قال الله تعالى: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا). نعم، إنه الميثاق الغليظ الذي من أهم بنود استمراره وحفظه:
1- تطبيق شرع الله.
2- غض البصر.
3- ضبط الشاشة.
4- ضبط الإنترنت.
5- ضبط السهرات والاختلاط.
6- عدم إفشاء الأسرار الزوجية.
فلو اتبعنا هذه القواعد السحرية في حياتنا الأسرية، لسَلِمنا نحن وأسرِنا ومجتمعنا، وانتصرنا على كل التحديات والمؤثرات الغريبة والهجينة عن ثوابتنا.
كما أن هنالك شروط ومقوّمات مهمة لصلاح الأسرة واستمرارها، أخبرنا عنها القرآن الكريم والسنة النبوية، نحتاج جميعا لمراجعتها والعمل وفقها حتى ننال سعادة الدنيا والآخرة، وسأقوم بذكر وتوضيح بعض هذه الشروط في مقالات لاحقة، بإذن الله. نسأل الله الصلاح والتقوى لأسرنا.