أنقذوا الحرمين قبل فوات الأوان
بقلم: د. جمال عبد الستار (عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)
إن الحرمين أمانة الله لدى الأمة، وعهدته لإبراهيم ومن اتبع ملته حنيفاً مسلماً إلى يوم القيامة، قال تعالى: “وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ”.
وعلى الأمة أن تحفظ أمانتها، وأن تفي بعهد ربها بتطهير البيت من الأرجاس الحسية والعقدية، ولا تسمح لأحد بالإمامة فيه أو اعتلاء منبره إذا لم يكن له أهل، وليس من حق أي سلطة سياسية أن تفرض هيمنتها على الحرمين، وتسلب الأمة حقها، وتمنعها من القيام بواجبها.
وليس من حق أي سلطة أن تجبر المسلمين في العالم على الصلاة خلف إمام لا يتقي الله، أو السماع لخطيب لا يخشى الله، ويدلس على المسلمين عقيدتهم وعبادتهم، فليس الحرم ميراثاً لأسرة هنا أو هناك أو تركة لقبيلة هنا أو هناك، بل هو أمانة في عنق كل مسلم على وجه الأرض، أعجمياً كان أو عربياً، حاكماً كان أو محكوماً.
وحقيقة أقولها بكل وضوح: النظام السعودي بات بتلك الجرائم التي يقترفها غير مؤهل وغير مؤتمن على إدارة الحرمين الشريفين.
فلم يكن يتصور أكثر الناس تشاؤماً أن يتحول منبر الحرم المكي إلى منصة لتشريع التطبيع مع المحتلين، وتلفيق الأدلة لتبرير الخيانة وولاية المجرمين!!
لم يخطر ببال أحد أن منبر الحرم الذي طالما صدح خطباؤه بتجريم موالاة الأعداء، وتحريم ولاية الكفار، وطالما ابتهل أئمته بالدعاء على المحتلين، وتطهير المسجد الأقصى من الصهاينة المجرمين، يتحول إلى منصة لتشريع التنازل وتبرير الخنوع!!
نجدة الحرم:
أما وإن السقوط قد وصل إلى هذا المنحدر السحيق فعلى الأمة أنظمة وشعوبا، علماء ورموز، مؤسسات وأفرادا، أن يتنادوا اليوم قبل الغد لحماية الحرمين من تدنيس النظام السعودي وأدواته التي تتستر بعباءة الدين.
أنقذوا الحرم من أن يصعد على منبره أفاك يزعم أن ترمب يقود العالم مع ولي نعمته إلى مرافيء الأمن والسلام!!
أنقذوا الحرمين من براثن نظام يستخدم منبره لغسيل سمعته، وتبرير إجرامه، وتشريع سفكه لدماء المسلمين، واعتدائه على الأئمة من العلماء والدعاة والمربين!!
أنقذوا منبر الحرمين ممن يكذب على الله ورسوله ويلبس على الأمة دينها ويفسد عقيدتها، ويمجد أعداءها، ويحارب رجالاتها المجاهدين وأبطالها المقاومين.
فالتطبيع ليس صلحا بين متخاصمين، ولا رأبا لنزاع بين اليهود والمسلمين، ولكنه كما أفتت كل المنظمات الدينية في العالم الإسلامي، وانعقد الإجماع من قبل جمهور العلماء المعاصرين على حرمة إبرام اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وعلى حرمة بيع أي قطعة أرض فلسطينية لليهود، وتحريم السمسرة على هذا البيع والتوسط فيه وتسهيل أمره، بأي شكل من الأشكال، واعتبروا أن الاعتراف بدولة اسرائيل خيانة لله والرسول والأمانة ولكل المسلمين.
فالسديس من على منبر الحرم المكي يتحدث عن لبس في باب الولاء والبراء بين الاعتقاد القلبي وحسن التعامل في العلاقات الفردية والدولية!!!
وقد كذب والله، فليست المشكلة مع اليهودية أو اليهود حتى نتحدث عن حسن التعامل!!
إنما المشكلة التي يريد صرف الأنظار عنها هي أن منظمة عالمية حشدت اتباعها باسم اليهودية من كل أصقاع الدنيا واستولوا على فلسطين وبيت المقدس، فاغتصبوا الأراضي، وهدموا البيوت، وقتلوا آلاف الرجال والنساء والأطفال، ونهبوا الأموال، وأفسدوا الزروع، وشردوا أهلها في المخيمات وهجروهم لاجئين إلى أقطار الدنيا!!
المشكلة أن منظمة صهيونية دولية اغتصبت المسجد الأقصى والقدس، ودنست حرمه، وروعت أهله، وأعلنت لها دولة دون سند من عرف أو دين أو قانون!!!
إقرار بالاغتصاب:
فالتطبيع إقرار للاغتصاب، وخيانة لدماء الشهداء، وطعنة في ظهر المجاهدين، وتضييع لحقوق المهجرين والمطاردين.
التطبيع خيانة للدين، وإقرار بتبعية الأقصى للغاصبين المحتلين.
التطبيع ولاية للكفار المقاتلين صريحة لا غموض فيها ولا لبس، وإلحاد في حرم الله لا تأويل له ولا تبرير، وصدق الله تعالى في وصف فاعليه: “وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ”.
ومتى أساء المسلمون إلى أهل الديانات الأخرى حتى تتحدث عن حسن التعامل!!
إن على الأمة جمعاء أن تستعيد ولايتها، وأن تسعى جاهدة لحفظ أمانتها، وأن تبذل كل غال وثمين لتطهير الحرمين من الأرجاس والأنجاس الحسية والمعنوية، وأن تجعلهما أمنا وأمانا، لا يُمنع من الطواف بهما مسلم أيا كان موقفه، وأيا كان مذهبه.