الشهيد يعقوب أبو القيعان: بانتظار اعتذار نتنياهو بصفته الرسمية وما يتبع ذلك من استحقاقات
توفيق محمد
في الصراع الدائر بين كل المجرمين بحق الشهيد يعقوب أبو القيعان تم الكشف يوم الاثنين الأخير عن تواطؤ النائب العام السابق شاي نيتسان مع المفتش العام السابق للشرطة روني آلشيخ، ومع المستوى السياسي في الحكومة بدءا من رئيسها ووزير الأمن الداخلي في حينه جلعاد اردان لاتهام الشهيد يعقوب أبو القيعان بدهس الشرطي ايرز ليفي الذي كان ضمن وحدة حماية آليات هدم قرية ام الحيران يوم 18.1.2017 عن سبق إصرار وتعمد، واتهامه بالإنتماء لداعش، ورغم كل الإثباتات والأدلة والشهادات والصور من الميدان التي تثبت خلاف ذلك، إلا أن الجهات الرسمية كلها بدءا من المفتش العام للشرطة مرورا بوزير الأمن الداخلي المسؤول عن الشرطة في حينه غلعاد اردان وصولا الى رئيس الحكومة، كلهم بدأوا بكيل الاتهامات للشهيد أبو القيعان الذي أطلقت الشرطة الإسرائيلية النار عليه، ومنعت تقديم العلاج له، وتركته ينزف حتى توفي، وأبو القيعان ليس أولا ولا واحدا في مثل هذه القصة، أبو القيعان، يرحمه الله، كان واحدا من 44 شهيدا قتلتهم الشرطة الإسرائيلية منذ تشرين أول 2000 وتسعة اخرين قتلهم يهود لأنهم عرب بينهم الشهداء الشفاعمريون الأربعة الذين قتلهم المجرم نتن زاده، وكلهم ما تزال ملفاتهم بانتظار اعتذار نتنياهو وأذرعه التنفيذية التي قتلتهم بدم بارد، كنتيجة مباشرة لتحريض نتنياهو وجوقته على كل ما هو عربي وفلسطيني.
الشهيد يعقوب أبو القيعان استشهد للمرة الأولى يوم 18.1.2017 يوم أطلقت شرطة نتنياهو النار عليه، ومنعت تقديم الإسعاف له، وتركته ينزف حتى توفي، وفق ما هو متعارف عليه بين الأجهزة الأمنية المختلفة التي معها ضوء أخضر فاقع لقتل العربي وإعدامه ميدانيا ومنع تقديم الإسعاف له، هذه الجرأة على القتل العمد، ومن ثم الإعدام الميداني تأخذها الشرطة من المستوى السياسي الذي يقر ويشرعن عملية القتل مباشرة، وتبدأ تصريحات مسؤوليه بتبرير عملية الإعدام الميداني حتى قبل ان يتم التحقيق والتحقق من الحدث، والأمثلة والحالات كثيرة جدا وهي ليست مقتصرة على منطقة دون أخرى، بل إنها تتناول الكل الفلسطيني على خارطة الوطن التاريخية، ثم فإن هذا القاتل يأخذ الضوء الأخضر المُبَرِّر من الإعلام الإسرائيلي الذي يضخ كميات هائلة من التحريض على الضحية ووصفه بالإرهاب، وإلصاق مختلف الأوصاف المنفرة والمحرضة والعدائية به وبعائلته وبمحيطه وشيطنته وشيطنة المحيط الذي نشأ فيه، ومسكنة (جعله مسكينا) القاتل الذي قام بفعلته “دفاعا” عن النفس، ودفاعا عن المجتمع، وعن أمن الدولة الذي كان يهدده الى حد الإبادة هذا “المجرم” (الضحية) المسجى على قارعة الطريق، مجردا من ملابسه، يسيل دمه وينتفض جسمه انتفاضته الأخيرة بانتظار خروج الروح تشكو الى ربها ظلم الظالمين، ثم يأتي الضوء الأخضر الأخير من المحكمة التي تبرئ القاتل، أو إن ادانته فتكون إدانة شكلية عقابها كعقاب قرش شدمي، وقرش شدمي لمن لا يعلم هو العقاب الذي فرضته المحكمة الإسرائيلية على قائد قتلة شهداء مجزرة كفر قاسم الـ 49 وهو يسسخار شدمي الذي أعطى الأوامر بإطلاق النار على العمال القسماويين العائدين من عملهم الى بيوتهم مساء.
الشهيد يعقوب أبو القيعان قُتل مرة ثانية عندما انهالت تصريحات السياسيين، الذين لم يترددوا أن يلصقوا مختلف التهم بالشهيد، ليتاجروا بها إرضاء للنزعة المستشرية بالتحريض على المسلمين والعرب والفلسطينيين، وقد بدأها وزير الأمن الداخلي الذي من المفترض أن يكون مسؤولا عن أمن “أبو القيعان” كغيره من سكان البلاد، لكنه قال ظهيرة استشهاد الأستاذ يعقوب أبو القيعان:” هو مخرب نشيط في الحركة الإسلامية هجم على قواتنا بهدف قتل عدد كبير منها حتى قبل بدء تنفيذ عملية الهدم” والشرطة من جانبها وصفته:” انه مخرب نفحص ارتباطه بداعش” ونتنياهو يصف الحدث بقوله :”عملية إرهابية قذرة”، وكعادته بدأ الاعلام الإسرائيلي يرقص على هذه المصطلحات ويستحضر معها التوابل والمقبلات التي فتحت شهية التحريض على العرب في البلاد.
الشهيد يعقوب أبو القيعان استشهد يوم الثلاثاء الأخير للمرة الثالثة عندما استهل نتنياهو مؤتمره الصحفي حول موضوع الكورونا ليوظف استشهاد الأستاذ يعقوب أبو القيعان لصالح ملفات الفساد خاصته، حيث بدأ مؤتمره الصحفي بـ”الكشف” الذي نشر عنه الصحفي في القناة 12 “عميت سيغل” بشأن رسالة النائب العام السابق شاي نيتسان التي تتحدث عن طي ملف الشهيد أبو القيعان رغم توصية قسم التحقيق مع رجال الشرطة المخالفة لذلك، والتي برر فيها موقفه ذاك بالقول: ” هناك مصلحة للدولة يجب أخذها بعين الإعتبار” والتي جاءت في سياق تجنب التوتر بين النيابة والشرطة، وعليه فان التستر على جريمة قتل الشهيد يعقوب أبو القيعان هو بحد ذاته جريمة جديدة بحق الشهيد، وبحق كل أهلنا في الداخل الفلسطيني تضاف الى الجريمة ذاتها، إذ ان النيابة والشرطة في هذا الحال وكعادتهما عندما يتعلق الأمر بالدم العربي يقدمونه قربانا على مذبح عنصريتهم المقيتة التي تتوافق مع السياسات الرسمية المعادية للعربي، وليس أقل من ذلك اعتذار نتنياهو الشخصي لعائلة الشهيد الأستاذ يعقوب أبو القيعان، والذي لم يكن إلا بهدف مناطحة الشرطة والنيابة، والخلوص الى الطعن بنزاهتهما المهنية، ليس من أجل العدل مع الشهيد يعقوب أبو القيعان وعائلته ومجتمعه، بقدر ما أنه من أجل الطعن في نزاهة ملفات الفساد المتهم بها نتنياهو ذاته، وبالتالي توظيف دم الشهيد من أجل التملص من محاكمته هو، وعليه فإن هذه المتاجرة الرخيصة مرفوضة، خاصة وأن لا جديد في ملف الشهيد أبو القيعان منذ عام 2017 وحتى الآن سوى الكشف عن رسالة قديمة كتبها النائب العام شاي نيتسان للتغطية على العلاقات المتوترة بين النيابة والشرطة، بسبب صراعات داخلية بين كل من ظلموا الشهيد بدءا من رأس الهرم السياسي نتنياهو، مرورا بوزير الأمن الداخلي، وصولا الى الذراع التنفيذي المتمثل في النيابة والشرطة، ومن المهم التأكيد هنا أيضا أن اعتذار نتنياهو للعائلة هو اعتذار بصفته الشخصية، وليس اعتذارا بصفته التمثيلة، وهذا من الأهمية بمكان، وعليه فإنه يتوجب على نتنياهو رئيس الحكومة أن يعتذر عن الجريمة النكراء للعائلة ولكل أهلنا، وإتباع ذلك بما يلزم من استحقاقات.