التطبيع بين الإمارات وإسرائيل.. أي تداعيات على المسجد الأقصى؟
منذ الإعلان في 13 أغسطس/آب الماضي عن توصل الإمارات وإسرائيل إلى اتفاق لإقامة علاقات رسمية بينهما، تتوالى التحليلات حول مضامين الاتفاق الذي ينتظر أن يوقع في البيت الأبيض الأميركي خلال الشهر الجاري.
ومن بين هذه التحليلات تقرير أصدرته مؤسسة “القدس الدنيوية” الإسرائيلية اليسارية التي يرأسها المحامي دانييل سيدمان، وتطرق فيه إلى قضية دقيقة في الموقف الإسرائيلي من الأقصى، وهي استخدام مصطلح “المسجد الأقصى” للإشارة إلى المصلى القبلي فقط، والإشارة إلى بقية المكان باسم “جبل المعبد” عند الحديث عنه كمقدس يهودي، وبعبارة “الحرم الشريف” عند الإشارة إلى المسجد بكامل مساحته.
يأتي ذلك في محاولة لفرض تمييز بين المسجد الأقصى باعتباره مبنى المسجد القبلي فقط، وباعتبار أن حق المسلمين المقدس ينحصر فيه، أما المساحة الأوسع التي تضم نحو 93% من الأقصى بمصاطبه وقبابه ومحاريبه ومدارسه فهي منطقة “الحرم الشريف” وهي عامة ومشتركة في نظر الاحتلال.
حصر الأقصى بالمصلى القبلي
وأشارت صفقة القرن في نصها إلى أن “الناس من مختلف الأديان يجب أن يمكنوا من الصلاة في جبل المعبد، وبالطريقة التي تتوافق تماما مع دينهم”. ولم تذكر الصفقة مصطلح “الأقصى” من قريب أو بعيد.
وحسب الباحث في شؤون القدس زياد ابحيص فإن جماعات الهيكل -التي تسيطر على الحكومة الإسرائيلية اليوم- تعاملت مع هذا النص باعتباره صك مشروعية أميركيا لأداء الطقوس والعبادات اليهودية في المسجد الأقصى.
وانطلاقا من ذلك -حسب ابحيص- جعلت فرض الطقوس موضوعها المركزي في كل الأعياد التي تقتحم فيها الأقصى وبالذات في اقتحام يوم عرفة قبل شهر، وهي تتجه اليوم إلى اقتحامات رأس السنة العبرية يومي 19 و20 من الشهر الجاري، وعينها على نفخ بوق رأس السنة من داخل الأقصى.
ومنذ الإعلان عن اتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، برز هذا التفريق إلى الواجهة مرتين، الأولى في إعلان البيت الأبيض عن الاتفاق، حيث ذكر في فقرته قبل الأخيرة بأنه “طبقا لرؤية السلام يحق لكل مسلم يأتي إلى القدس بشكل سلمي للصلاة في المسجد الأقصى، كما تبقى بقية الأماكن المقدسة في القدس مفتوحة للمؤمنين السلميين من كافة الأديان”.
وهذا النص وبكل وضوح -حسب ابحيص- يجعل من الاتفاق مع الإمارات غطاء مشروعية وموافقة من دولة عربية ومسلمة على حصر المقدس الإسلامي بالمصلى القبلي فقط، والسماح بأداء الطقوس اليهودية والمسيحية للمسيحيين الصهاينة في ساحات المسجد الأقصى المبارك.
أما المرة الثانية، فكانت في تصريح جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي -للصحفيين في لندن- عندما قال “أعرف أن (هناك) مسلمين كثرا متحمسين لأن بإمكانهم الآن الطيران من دبي إلى تل أبيب لزيارة المسجد الأقصى، الذي قالت إسرائيل إن ملك الأردن سيبقى راعيا للمقدسات، وهذا شيء مفتوح الآن لكل المسلمين”.
وهو بذلك يؤكد على تعريف المقدس الإسلامي باعتباره المسجد القبلي فقط -وفقا للباحث ابحيص- ويستعير استخدام اسم “المسجد الأقصى” بالمعنى المقصود إسرائيليا، وإذا ما وضعت النصوص معا في سياق اتجاه صهيوني تاريخي لإعادة التعريف هذه، فإن ما سكت عنه كوشنر هو أن المسلمين سيصلون في المسجد القبلي، واليهود والمسيحيون الصهاينة سيصلون في كل ساحات الأقصى ومصاطبه وقبابه.
تفكيك تكامل المسجد الشريف
ويقول ابحيص “هذه المحاولة لتفكيك تكامل المسجد الأقصى بتعريفه الإسلامي باعتباره كل ما دار عليه السور، وبكامل مساحته البالغة 144 ألف متر مربع، بدأت بقرارات محاكم إسرائيلية في تسعينات القرن الماضي، اعتبرت ساحات الأقصى ساحات عامة، ثم بتكريس ذلك في الخارطة الرسمية للبلدة القديمة في مخطط القدس الهيكلي 2020 التي نشرت عام 2004، ونصت على ذلك صراحة”.
وأشار إلى أنه -مع إعلان نص صفقة القرن- كان التبني الأميركي لهذا التعريف مضمرا بإغفال ذكر الأقصى في هذه الصفقة، لكن ها هو يخرج إلى العلن اليوم في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، ليصبح موقفا يتبناه طرف عربي، ورغم أن نص الاتفاق لم يعلن حتى الآن، فإن البيان المشترك وتصريحات كوشنر ماضية في هذا الاتجاه دون رد أو توضيح إماراتي.
وحاولت الجزيرة نت مناقشة تحليل مؤسسة “القدس الدنيوية” مع عزام الخطيب رئيس دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، إلا أنه اعتذر عن عدم إجراء مقابلة صحفية قائلا إن الدائرة في القدس تلتزم بما يصدر عن الحكومة الأردنية صاحبة الوصاية على المسجد الأقصى.
أما رئيس مجلس الأوقاف بالقدس عبد العظيم سلهب، فقال إن الأقصى بساحاته ومصلياته وسوره، ومن ضمنها سور البراق الشريف، فوق الأرض وتحتها، مسجد إسلامي بقرار رباني، ولا يمكن لقوة في الأرض أن تغير هذا القرار.
وأضاف سلهب -في حديثه للجزيرة نت- أن الوصاية الأردنية لها جذور عريقة وممتدة منذ زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الهاشميين يتولون رعاية المسجد وصيانته وترميمه تحت مظلة دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، وصاحب هذه الرعاية هو الملك عبد الله الثاني، ولا يجوز القفز على هذه الوصاية “وأي اتفاق يخالف هذا نحن ضده، ونستغرب أن تقفز دولة عربية على هذا” الوضع التاريخي.
وأضاف “إسرائيل تحاول تغيير الوضع التاريخي وإلغاء دور الأردن في الأقصى، وتساعدها في ذلك أميركا، والإمارات موقفها غريب، وهذا الدور الذي تلعبه الآن نعتبره خروجا عن الصف العربي والإسلامي.. نحن نكن للشعب الإماراتي كل الاحترام، لكننا نقول وبكل وضوح إن ما يقوم به الزعماء هناك محرم شرعا”.
وبالتطرق لطبيعة زيارة غير المسلمين للمسجد، قال سلهب إن ذلك كان يتم عبر شراء تذاكر من دائرة الأوقاف الإسلامية، وكان ريعها يذهب لإعمار المسجد، وخصصت 3 نقاط لبيع هذه التذاكر، ومع احتلال إسرائيل لشرقي القدس عام 1967 حاولت الفصل بين الساحات والمصليات.
لكن التذاكر -حسب سلهب- بقيت تباع عن طريق الأوقاف، حتى عام 2003 حين قفزت إسرائيل على هذا الحق بإدخالها السياح من طرف واحد عبر باب المغاربة المسيطر عليه، مضيفا أن كل من يدخل الأقصى من باب المغاربة أو سيدخله من هذا الباب مستقبلا يعتبر مقتحما للمسجد كالمستوطنين تماما.
المصدر: الجزيرة