مستشار أردوغان يشنّ هجوما على ماكرون ويشبهه برسومات “شارلي إيبدو”
شن ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هجوما عنيفا على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واتهمه بأنه يحاول استعادة أمجاد فرنسا الاستعمارية، وشبهه برسم كاريكاتوري في صحيفة “شارلي إيبدو” الساخرة، في إشارة إلى عدم اعتراض ماكرون على نشر رسوم مسيئة للرسول الكريم محمد، في الصحيفة الفرنسية.
وفي مقال نشرته اليوم صحيفة “يني شفق” التركية المقربة من أردوغان وحزب “العدالة والتنمية الحاكم، قال أقطاي: “حاول ماكرون إحياء ماضي فرنسا الإمبريالي والاستعماري من جديد. إنه متشوق للماضي الاستعماري القذر، والمجازر الظالمة القاسية بحق الإنسانية، والمذابح، والتعذيب، ونهب الدول الأخرى وممتلكاتها بمكر وخبث. إنه يحاول الآن بكل ما يملك استعادة هذا الماضي من جديد”.
وتابع: “إن فرنسا في الحقيقة لم تستطع يوماً ما أن تتخطى حاجز ماضيها القذر، لا تستطيع. طوال الفترة الماضية وعلى اختلاف قادتها وحكوماتها لم ينقطع اهتمامها الاستعماري تجاه إفريقيا والشرق الأوسط، سواء في السر أو العلن، إلا أنها بكل حال لم تصرف أنظارها يوما ما عن هاتين المنطقتين. إن فرنسا التي تعتبر اليوم من مصافي أو أوائل الدول المتقدمة، والمتطورة بصناعتها ونموّها، إلا أن هذا التطور والازدهار لطالما كان ولا يزال على حساب القهر الذي تذيقه للمسلمين أو الشعوب الإفريقية بشكل عام. وبهذا الشكل يمكنك رؤية النفاق وسياسية الوجهين في الديمقراطية وحقوق الإنسان لدى فرنسا التي يُنسب لها التطور والازدهار والحضارة الغربية”.
وأضاف أقطاي: “من أراد رؤية خلفية تلك الحضارة والحداثة التي تشع من جبين فرنسا، عليه أن يزور المتحف الذي تحت نصب الشهداء في الجزائر. حينما يشاهدون الاضطهاد الذي مارسوه بحق الشعب الجزائري المولع بالحرية والاستقلالية والكرامة، لن يشعروا سوى بالخجل والخزي والعار من حجم النفاق والاحتيال اللذين يختبئان وراء كلمة تحكي عن الحضارة والحداثة الفرنسية، وبعار أفظع حين الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية التي تتغنى بها فرنسا”.
وحول زيارة ماكرون إلى لبنان مطلع شهر سبتمبر الجاري، في أعقاب كارثة انفجار مرفأ بيروت قبل أكثر من شهر، قال أقطاي: “من الواضح أن الحماس الاستعماري الذي بدا جلياً في زيارة ماكرون إلى لبنان، وخطابه وتحركاته هناك، لا يبشّر بأي خير. لا يمكن لماكرون الذي يتوق بشدة لماضيه الاستعماري أن يعد لبنان بشيء، بل ماكرون يفكر بما سيأخذه من لبنان أولًا وآخراً”.
وتطرق مستشار أردوغان في مقاله إلى التدخل الفرنسي في ليبيا، ودعم الجنرال خليفة حفتر سياسيا وعسكريا، فقال: “كذلك الأمر حينما حشر ماكرون أنفه في ليبيا، سرعان ما ذكّرتنا ممارساته وحساباته بماضي فرنسا الذي نتحدث عنه. رأينا المقابر الجماعية في الأماكن التي تم تطهيرها من حفتر الذي يتلقى دعمه من فرنسا ماكرون. تلك المقابر هي من طراز الممارسات الفرنسية الاستعمارية، وها هو التاريخ يعيد نفسه، وبعبارة أخرى الجميع يكشف الآن عن مزايا أو خصائص تاريخه”.
أقطاي تساءل في مقاله: “لماذا أولئك الذين يتهمون تركيا بأنها تعيد أمجاد الدولة العثمانية، حينما تهمّ للدفاع عن الشعوب المضطهدة، بينما نجدهم لا يقولون أي كلمة إزاء ما تقوم به فرنسا؟”. مصيفا: “بيد أنه لا يوجد في تاريخ العثمانيين في المنطقة ما يعيب تركيا أو يجعلها تدفنه وتشعر بالعار منه. الآن نجد عموم شعوب الشرق الأوسط يشعرون باشتياق للدولة العثمانية، ربما أكثر من الأتراك أنفسهم. ألا يجب التوقف عند سبب ذلك إذن؟” بحسب تعبيره.
وتابع أقطاي بالقول: “هذا يعني أن هناك أشياء حاضرة الآن تعيد للأذهان صورة العثمانيين، مقابل أشياء بالتالي تجعل الأذهان ترسم الصورة الاستعمارية لفرنسا وأوروبا عموما، وفي خضّم هذه الذاكرة تبرز التجربة العثمانية صورة ناصعة نظيفة”.
وأكد المسؤول التركي “أن تركيا لا تمتلك أياً من ذلك الهوس الاستعماري الذي يطغى على العقل الفرنسي، حيث إنها الآن لا تفعل أي شيء سوى ما يقتضيه تاريخها وهويتها وشخصيتها. لا يوجد لها أطماع في أرض أحد، نعم تريد أن تكون قوية إلا أنها لا تسعى لاستخدام هذه القوة ضد أحد. لا يوجد هم لها سوى زيادة إنتاجها، وجلب مزيد من الرخاء والرفاهية والشرف والحرية لشعبها. وفي خضم ذلك تتميز تركيا أنها دولة لا تلحق الضرر بأي دولة تربط بنيهما علاقات، ولا تهدّد استقرارها، ولا تطمع بما ليس بيدها بطريقة خبيثة ماكرة. ولذلك السبب تركيا هي الدولة التي تطلبها وتبحث عنها شعوب هذه المنطقة”.
وزاد أطقاي بقوله: “إذا كانت هذه الأشياء تبدو بنظر الغير وكأنها “عثمانية” (بمعنى التهمة) فقد يكون هذا الغير يعاني من مشكلة ما، حيث أولئك الذين لديهم مشكلة مع العثمانيين تجد حالة من الذعر والتخبط تسكنهم، تنبع عن إحساسهم بأن خيانتهم للعثمانيين وخيانتهم لشعوبهم الآن، لا بدّ وأنهم سيحاسبون يوما ما عليها، ولذلك هم في ذعر وتخبط. على الرغم من أن تركيا لم ولا تذكر “العثمانية” إلا أنهم يرونها كابوسا كلما شهدت تركيا صعودا نحو الأعلى. إلا أن ذلك ليس مشكلة تركيا، بل هو مشكلة أن الجميع يعيش واقع الأحاسيس النفسية التي يشكلها ما عاشه في الماضي”.
وتحدث أقطاي عن رفض الرئيس الفرنسي إدانة الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد، والتي نشرتها صحيفة “شارلي إيبدو” قبل أيام، فقال: “قامت مجلة شارلي إيبدو الفرنسية بإعادة نشر الرسوم المسيئة لنبينا الكريم محمد، بينما صدرت انتقادات عديدة ضد هذه الخطوة، نجد أن ماكرون كان ضد هذه الانتقادات بحجة أن رئيس الجمهورية لا يمكنه التعليق على انتقاءات الصحفيين، وراح يدعم إعادة نشر تلك الرسوم. في الحقيقة، لو كانت هذه الكلمات صحيحة وصادقة فلن يكون بإمكاننا قول أي شيء”.
وأضاف: “إلا أننا بكل حال نعلم أن الصحافيين في فرنسا ليسوا أحراراً في انتقاءاتهم الصحفية. على سبيل المثال، لا يمكن لأي أحد منهم أن يقوم حتى بإجراء تحقيق أو استقصاء حول عدد اليهود الذي قضوا في الإبادة الجماعية إبان الحرب العالمية الثانية، حيث عليهم التسليم بأنهم ليسوا أقل من 6 ملايين يهودي مات في تلك الإبادات. لا يمكن لأي قلم أن يكتب سطراً حول هذا الأمر، ولا يندرج هذا الموضوع تحت طائلة حرية التعبير. ونتذكر تماماُ ما حصل لروجيه جارودي بسبب هذه المسألة”.
وذكّر أقطاي بحادثة توبيخ ماكرون لصحافي فرنسي أثناء زيارته الأخيرة لبيروت، وقال مستشار الرئيس التركي: “بل هناك مسألة أحدث ولا تزال طازجة، وهي توبيخ ماكرون للصحافي الفرنسي في صحيفة لوفيغارو الفرنسية، جورج مالبرونو، لأن الأخير كتب مقالًا حول اللقاء الذي جرى بين ماكرون ومسؤولين في حزب الله اللبناني، بحجة أنه أتى ضد المصالح الفرنسية. هذا التوبيخ العلني لهذا الصحافي يظهر بدوره الحرية المزيفة التي يوليها ماكرون للصحافيين، أما تأييده للرسوم الكاريكاتورية في شارلي إيبدو فلم يكن يوماً لأجل حرية الصحافة، بل لأجل ترجيح شخصي في داخل ماكرون”.
وتساءل أقطاي: “أي نوع من المساومة والاتفاقيات القذرة تتجلى في لقاء ماكرون بمسؤولي حزب الله، وهو ماكرون الذي يشتاق لإعادة ماضي فرنسا الاستعماري، ويحمل ما يحمل من عدم احترام إزاء الإسلام والمسلمين؟”.
وختم مقاله بالقول: “لا شك أن الوقوف عند هذا مهم للغاية، إلا أن المؤكد في هذا المشهد بكل حال هو أن ماكرون يبدو تماما كرسم كاريكاتوري من رسومات شارلي إيبدو”.