عام دراسي جديد.. جائحة كورونا وتأثيراتها على الجانب التعليمي والنفسي والاقتصادي لدى الطلاب والأهالي
المربية ألاء كمال خطيب: أنصح الجميع بالتعامل بهدوء وبعيداً عن العصبية خلال هذه الفترة
الأخصائي النفسي باسل إغبارية: هذه المرحلة تستدعي إبداء الكثير من الليونة الذهنية وتطوير مهارات تدريسية مناسبة للمتغيرات
الخبير الاقتصادي د. أنس أحمد: لا بد من التركيز على أهمية التخطيط المسبق والمدروس للمناسبات والأنشطة السنوية بما فيها العودة للمدارس
لجنة الزكاة بالناصرة: ندعو إلى تصور مستقبلي وصندوق خاص بموسم العودة إلى المدارس
ساهر غزاوي
تستعد المدارس لاستقبال العام الدراسي الجديد 2020-2021، الذي سيفتتح في الأول من أيلول/ سبتمبر المقبل كالمعتاد، كما أعلنت وزارة التربية والتعليم، غير أن عودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة تبدو معلقة بيد مستجدات فيروس كورونا المستجد، سيما وأن الجهات المعنية تواصل العمل من أجل تجاوز الأضرار التي لحقت بالطلاب في السنة الدراسية الماضية.
وعلى إثر جائحة الكورونا أغلقت غالبية المؤسسات الدراسية في البلاد والعالم أبوابها بشكل كامل، في مشهد لم يُعهد سابقًا حتى في فترات الحروب والأزمات الأكثر صعوبة. فقسم كبير من المدارس العربية في البلاد لم يرجع الطلاب فيها بشكل منتظم الى مقاعد الدراسة حتى نهاية العام الدراسي وذلك بسبب تزامن عودة افتتاح المدارس مع شهر رمضان المبارك والأعياد، كما وأن الصورة لا تزال ضبابيه غير واضحة المعالم لما يتعلق بالسنة القادمة.
فيما أظهرت التجربة حتى الآن عدم الاستعداد لمواجهة الأزمات في قضايا خدماتية عدّة في ظل كورونا، ومن ضمنها الجهاز التعليمي على مستوى البلاد عمومًا، وعلى مستوى المجتمع العربي بشكل خاص، كما يذكر المحاضر والباحث في العلوم الاجتماعية التربوية، بروفيسور خالد أبو عصبة.
وبحسب أبو عصبة، فإن إحدى تجليات العجز في المواجهة هو التخبط الحاصل في اتخاذ القرارات وعدم اتباع خُطَّة واضحة المعالم في التعامل مع الجائحة، أما بخصوص العملية التعليمية، فيقول: “فحتى اليوم ورغم أننا على عتبة أبواب افتتاح السنة الدراسية الجديدة، لم يتخذ قرار نهائي بالنسبة لموعد افتتاح السنة الدراسية، إذ لم يحدد حتى هذه الساعة ما إذا كانت السنة الدراسية ستفتتح في موعدها أو بعد الأعياد اليهودية، وإذا كانت الإجابة بأنها ستفتتح في موعدها فلأي أجيال؟”.
ويرى د. شرف حسّان، رئيس لجنة متابعة قضايا التّعليم العربي، أن مصلحة مجتمعنا تكمن في عودة الطلبة للمدارس ومنع استمرار الخسائر التعليمية الفادحة التي لحقت بهم منذ اذار الماضي. تعليم الأبناء وتقدمهم وضمان مستقبلهم وابعادهم عن الأخطار المحدقة بهم كالعنف والوقوع في شرك منظمات الاجرام هو ضرورة يعيها كل انسان عربي في هذه البلاد.
ويؤكد: من هنا وجب على المسؤولين جميعًا في وزارة التربية والتّعليم والسلطات المحلية والمدارس بالتعاون مع كافة الأطراف ذات الصلة العمل على ملاءمة خطة وزارة التربية والتّعليم لظروف المجتمع العربي ووضع خطّة تضمن صحة الطلاب والمعلّمين وتجدد العمليّة التربويّة رغم الظروف المركبة التي ستمتد لأشهر طويلة. فلا يمكن لنا أن نسمح بخسارة الطلاب للعام الدراسي المقبل بعد كل ما خسروه من تعليم في العام المنصرم. هذا فضلا على نقص في الغرف التدريسية وعدم نجاح التعلم عن بعد في ظل عدم توفر الحواسيب والحد الأدنى من الشروط لنجاحه، إذ أن وزارة المعارف اعترفت بالنقص في الحواسيب ورصدت ميزانية لسد الاحتياجات لكن للأسف هذا لن يكون مع بداية العام الدراسي القريب وسيتطلب ذلك عدة أشهر. كما يقول د. شرف حسّان.
ويرى مختصون أنه في ظل هذه الظروف المركبة التي نعيشها وقبيل افتتاح العام الدراسي الجديد، سيّما وأن فيروس كورونا المستجد الذي ألقى بظلاله على واقعنا المجتمعي، سيُعمق من الفجوة وسينعكس ذلك في التحصيل العلمي وفي التسرب وغيرها من مشاكل اجتماعية.
وعلى ضوء ذلك، تحاول صحيفة “المدينة” في هذا التقرير أن تُبين انعكاسات جائحة الكورونا على الجانب التعليمي والنفسي لدى طلاب المدارس، وتتناول مع مختصين تداعيات الأزمة الاقتصادية وتأثيرها على المجتمع وأولياء أمور الطلاب.
نموذج عيني من التجربة التعليمية في ظل كورونا
المربية ألاء كمال خطيب، معلمة في المرحلة الابتدائية في مدرسة المعالي في كفركنا، تحدثت عن الصعوبات التعليمية التي واجهتها في التعليم عن بعد وتقول: بدايةً طريقة التعلم عن بعد هي طريقة غير مألوفة لي كمربية ولطلابي على حد السواء، حيث كانت بدايات استعمالي لهذه الطريقة فقط في المرحلة الجامعية عندها أيضاً كانت هناك صعوبات تقنية وتكنولوجية في تلك الفترة لي كطالبة جامعية فما بالكم بطالب لم يتجاوز السابعة والثامنة من العمر أجبرته ظروف جائحة الكورونا على خوض تجربة جديدة وغير مألوفة له.
وتابعت: كمربية كانت هناك صعوبات جمة في كم الرسائل الهائل الذي كان يصلني كل يوم من استفسارات وحل وظائف، كما أن العنصر التقني كان له الدور الأبرز في تشكل الصعوبات، فانقطاع وتشوش شبكة الإنترنت يعني عدم تمرير الحصة كالمطلوب، ناهيك عن التعب الجسدي الناتج عن الجلوس لساعات طويلة ومتواصلة لتدقيق ومتابعة وظائف الطلاب.
وتشير المربية خطيب إلى أن العامل النفسي كان له تأثير على الطلاب بسبب ما طرأ من تغيرات، وتقول: إن العامل النفسي لعب دوراً كبيراً خلال فترة التعلم عن بُعد وللأسف أن التأثير كان سلبياً “فأنا كمربية اشتقت كثيراً في تلك الفترة للرجوع للبيئة الصفيّة الطبيعية التي اعتدت عليها، وكذلك طلابي كانت رسائلهم لي وتسجيلاتهم الصوتية مليئة بالاشتياق للرجوع والعودة لنمطنا المعتاد، وهنا أريد أن أتوقف عند مشهد أثر بي كثيراً خلال تلك الفترة، فخلال ممارستي لرياضة المشي بعد انقطاع شهر ونصف عن التواصل الصفي مع طلابي ومدرستي، شاهدت طالبتي التي تدرس في الصف الثالث وهي تركض باتجاهي وتصرخ بشكل هستيري من شدة الاشتياق، احتضنتني ولم ترد أن تتركني، عندها أحسست كم كان انقطاعنا عن البيئة الصفيّة صعباً علينا كمربين وعلى طلابنا، وكم كان لذلك تبعات سلبية على النفسية.
وتلفت خطيب إلى أن هناك نتائج سلبية مترتبة على هذه الفترة التعليمية، “فالطالب لم يتمكن من المادة التي تم تمريرها عن بعد بالشكل المطلوب، فمادة الرياضيات مثلاً ليس بالسهل تمريرها وترسيخها في ذهن الطالب عن بُعد. لكن المربية خطيب استدركت حديثها بالقول: تجربتنا خلال السنة الدراسية السابقة أعطتنا الكثير الكثير في كيفية التعامل مع الظروف الراهنة، هناك خطط عمل وترتيبات استثنائية لتفادي الصعوبات والتسهيل على الطالب والمعلم على حد السواء، بلا شك أن السنة الدراسية القادمة ستأخذ الكثير من طاقتنا نحن المعلمين وكأهل، لكن لا مجال لنا سوى التعامل بحكمة مع الظروف والتماشي معها لما فيه مصلحة للطلاب”.
وتختم المربية ألاء خطيب حديثها بتوجيه نصائح للطلاب والأهل والمعلمين وتقول: أنصح الجميع بالتعامل بهدوء وبعيداً عن العصبية خلال هذه الفترة غير السهلة، وأن نضع نُصب أعيننا أنها مجرد فترة زمنية وسوف نجتازها سوياً بنجاح. أما بخصوص النصيحة للمعلمين فهي: “أنتم في مرحلة تعليمية ممكن ألا تتكرر ظروفها! فتعاملوا معها بحكمة، أكثروا من الرسائل العاطفية الداعمة لطلابكم وساعدوهم في تخطي هذه المرحلة غير السهلة. ونصيحة للأهل قالت فيها: وضعتم في ظروف أجبرتكم على أن تكونوا من العناصر المهمة في تمرير المواد المطلوبة لأبنائكم، فكونوا متفهمين وواعين لصعوبة ما يمرون به، فهي مجرد فترة زمنية عابرة ممكن ألا تتكرر. وللطلاب أقول: أنتم عنصر الأساس في هذه المرحلة ونجاح هذه المرحلة يعني نجاحكم، وضعتم في ظروف استثنائية لم تعتادوا عليها مسبقاً، لذلك عليكم مضاعفة جهودكم لتخطي هذه المرحلة بنجاح.
انعكاسات نفسية وتعليمية على الطلاب
حول الانعكاسات على الجانبين النفسي والتعليمي لدى طلاب المدارس تحدث الأستاذ باسل رفيق إغبارية -أخصائي نفسي تنظيمي وتشغيلي، ويقول: يتوجب الإشارة إلى أنه كان لإغلاق المدراس وبقاء الطلاب في البيوت انعكاسات كثيرة على الطلاب والمجتمع ككل، الأمر الذي استنفر المجتمع البحثي عامة وبالأخص الباحثين المختصين بالتربية وعلم النفس لدرجة أننا بتنا نسمع تحليلات علمية تدعي أن العالم بعد الكورونا ليس كما كان قبلها، ومصطلحات مثل: “تعلم عن بعد”.. “جيل الكورونا” وأثر هذه المرحلة على تطوهم النفسي والعلمي.
ومن انعكاسات المرحلة، يوضح إغبارية، تراجع في التحصيل العلمي للطلاب حيث أن المدراس لم تكن على استعداد لمثل هذا الانقلاب السريع في أساليب التدريس، لا المعلمين ولا الأهل كانوا على استعداد للتأقلم مع هذه المتغيرات. إضافة إلى أن قسم كبير من الطلاب لا يملكون حاسوبا في البيت ولا حتى توصيل بشبكة الإنترنت لاستدراك التعلم الرقمي والتعلم عن بعد، وهذا كله أدخل المعلمين والطلاب والأهل إلى ضغوطات نفسية.
ويتابع: المعلمون من جهتهم اضطروا إلى التعامل أيضا مع ضغوطات وزارة المعارف، قوانين وإجراءات جديدة غير مفهومة وتضارب التعليمات الصادرة من الوزارة. أما الأهل من جهتهم، لم يكن لديهم تحضير مسبق للتعامل مع هذه المشكلة وكان لديهم شعور بأنهم بين المطرقة والسندان. هذا عدا أن علاقة الأهل بالمعلمين والمدرسة تضررت بشكل خاص، حيث بات الكل وبسبب الضغط والتوتر والغموض أصبح كل منهم يلقي باللوم في تعطل الدراسة على الآخر، والطالب دفع ثمن هذه المناكفات.
واستطرد الأخصائي النفسي حديثه بالقول: انقطاع الطلاب عن الدراسة وعن الأطر التربوية والاجتماعية بالإضافة للفوضى في النظام اليومي الذي تولد على إثر ذلك زاد من احتمالية ظهور حالات نفسية مرضية مثل: الكآبة، القلق والشدة النفسية. هذه الظواهر تشهد ارتفاعا لدى الطلاب خاصة بعد دخول الهواتف الذكية وقضاء ساعات طويلة والعزلة.
لذلك، يضيف باسل إغبارية: هي نصائح للتعامل مع المرحلة المقبلة، عزيزي الطالب، أخي المعلم واختي المعلمة، الأهالي الكرام علينا أن نتذكر دائمًا أن التعليم رسالة مقدسة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان من أبرز صفاته الرسول المعلم لما في ذلك من رسالة ومسؤولية عظيمة ولما فيها من قدوة وغرس القيم والأخلاق والفضيلة. كما وعلينا مضافرة الجهود وتوجيهها لعمل تعاوني مشترك وأن نتغاضى عن رفع إصبع الاتهام في وجه أي طرف، وذلك للتحسين من نجاعة العمل واستدراك هذه الفترة الصعبة بأقل الخسائر على الصعيد التعليمي والنفسي.
ويرى إغبارية أن المرحلة الحالية “تتصف بحالة كبيرة من التعقيد، الغموض وعدم التأكد وتستدعي القائمين على المؤسسات الدراسية إلى إبداء الكثير من الليونة الذهنية وإعادة التكيّف مع المرحلة مجددًا وتطوير مهارات تدريسية مناسبة للمتغيرات. إضافة إلى فتح أبواب النقاش الجماعي بين المعلمين، الإدارة، الطلاب، والأهالي وتطوير مهارات مهنية مناسبة، إضافة إلى اتاحة الخدمات النفسية بشكل أوسع بين الطلاب والمبادرة إلى إضافة ساعات إرشاد نفسي استباقي”.
ويؤكد: “علينا أن نعلم كمجتمع أن خطر الجهل والتقصير في الدراسة والآثار المترتبة عليه أعظم وطأة وأخطر من كورونا! هذه ليست رسالة للاستهتار بالكورونا، بل هي رسالة لأن نعقل ونتوكل ونكمل مسيرتنا التعليمية حيث أن التعلم كان ويجب أن يكون هو في أعلى أولوياتنا”.
ويختم الأخصائي النفسي باسل إغبارية حديثه حول جائحة كورونا وانعكاساتها النفسية والتعليمية على طلاب المدارس بالقول: هذه فرصة لتطوير المهارات التكنولوجية التي باتت جزءا مهما من حياتنا اليومية ودمجها في تطوير أساليب التدريس لإيصال العلم والمعرفة لطلابنا وتجهيز المدارس بالشكل الذي يتناسب والمرحلة الحالية. علينا التذكر خلال كل محنة هنالك منحة، أنصح الطلاب والمعلمين في هذه الفترة بتطوير مهارات تدريسية متناسبة مع العصر، الاستفادة من التكنولوجيا والتعلم عن بعد وبناء برامج تعليمية مفيدة ومسلية تجذب الطالب للدراسة ولو عن بعد. للطلاب أقول: كونوا على قدر من المسؤولية، ادرسوا واجتهدوا وطوروا من أنفسكم، فلا مكان في هذا العالم للجاهلين. رفع الله البلاء والوباء والجهل عنا وعنكم.
في الصورة نرى مجموعة من الطلاب الفيتناميين وهم في طريقهم إلى المدرسة في خنادق شُقت خصيصا لتجتب قصف الطائرات الامريكية لمنطقة سكناهم في حرب فيتنام. (“أطفال الحرب”، دار المعارض “93 Dinh Tien Hoang”، هانوي)
الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها
أما عن جائحة كورونا وانعكاساتها الاقتصادية على الطلاب والأهالي، فتحدث الدكتور أنس سليمان أحمد- متخصص في الاقتصاد والتمويل ومستشار اقتصادي للعديد من الشركات في فلسطين وعضو مؤسس لموسوعة الاقتصاد والتمويل الإسلامي العالمية-، عن الحالة الاقتصادية التي نعيشها قبيل افتتاح العام الدراسي الجديد، قائلا: إننا نعيش في هذه الأيام بل والشهور التي مضت ما يسمى باقتصاديات الخوف، إذ أصبح الخوف هو الموجه لنا ولأداء اقتصادنا، سواءً كان على مستوى البيت أو العمل أو المصلحة. فالأزمة الصحية التي نعيش تؤثر سلباً على الاقتصاد، فتجعل الخوف هو سيد الموقف، حيث لا استقرار يُعرف، ولا ثبات يُوصف.
ويضيف: يأتي افتتاح العام الدراسي الجديد ومتطلباته بعد مناسبات عدة، وأعباء اقتصادية أثقلت كاهل الأسر على مختلف أحوالهم الاقتصادية، واضعة معظم أولياء الأمور في مأزق كبير، بسبب المصروفات الدراسية من جهة، ومستلزمات المدرسة من جهة أخرى، في الوقت الذي اتجهت فيه بعض الأسر، للتخطيط المسبق لتدبير المتطلبات المالية، قبل بدء عام دراسي جديد، لتجنب الوقوع في ضائقة اقتصادية لا بد للخروج منها من التركيز على أهمية التخطيط المسبق والمدروس للمناسبات والأنشطة السنوية بما فيها العودة للمدارس، لتتمكن الأسرة من استقبالها بسهولة، بلا ضائقة مالية أو معوقات يمكن أن تخلق مشاكل أسرية تؤثر على جوانب حياتية عديدة.
ويشير د. أنس إلى أن مجتمعنا في الداخل الفلسطيني “يصنف في ذيل قائمة التجمعات السكانية الفقيرة في هذه الدولة، حيث أن أكثر من 50% من الأسر العربية تحت خط الفقر. هذا المجتمع يعاني أكثر من غيره من أعباء أزمة كورونا، سواء على الصعيد الصحي أو الاقتصادي أو حتى الاجتماعي، يضيف د. أنس ويُبين أن أزمة كورونا تأثيرها واضح على كل شرائح مجتمعنا، الشرائح الميسورة والغنية والفقيرة، فالاقتصاد الإسرائيلي وفق التقارير الأخيرة في انكماش مستمر، فالسوق اليوم ينكمش في أكثر من 6%، ويتوقع البنك المركزي أن يصل الانكماش إلى 10% حتى أواخر هذا العام”.
ويُبين أنه وفق تقارير واستطلاعات جديدة، نجد أن أكثر من 55% من السكان ليس معهم ما يسد احتياجاتهم بعد أشهر من الآن، بمعنى أن الواقع القادم سيكون أسوأ في حال لم تتحرك الوزارات المختصة والعمل على تحريك العجلة الاقتصادية.
أما في جانب البطالة، يضيف المتخصص في الاقتصاد والتمويل، فحدث ولا حرج فقد وصلت نسبة الباحثين عن العمل الى أكثر من 22%; مع توقعات أن يصل مع نهاية العام إلى أكثر من 25%، إذ أننا نجد أن مجتمعنا العربي يحتل المرتبة الأولى في البطالة العمالية، وأكثر البلدات العربية تضررا من البطالة هي الناصرة وأم الفحم التي وصلت فيها نسبة البطالة إلى أكثر من 30%، وسبب تفاقم البطالة في مجتمعنا قطاع الخدمات (يضم قطاع عمال السياحة وعمال الفنادق، والمطاعم والمقاهي) الذي يشغل اكثرية ابناء مجتمعنا والذي تضرر بنسبة 60% وأكثر.
وفق هذه المعطيات لا بد من مجتمعنا ملائمة الاستهلاك لمستوى الدخل والاستغناء عن الكثير من المصروفات الزائدة والكماليات، كما هو معلوم فإن الأزمة تخلق فرصا أحيانا وهي فرصة لترشيد الاستهلاك، الذي طالما تحدثنا عنه، وتحويل الترشيد القسري الذي فرضته جائحة كورونا في مجال الأعراس والقاعات والاحتفالات والبذخ المبالغ به والرحلات السياحية والكثير من المظاهر الكاذبة، تحويله إلى نمط سلوكي طوعي بعد الكورونا أيضا. يقول د. أنس إغبارية.
ويضيف: لا يعقل أن يستمر مجتمع فقير في العيش وكأنه أغنى أغنياء الكون، وهو ما يؤدي بالتالي إلى الاستدانة والقروض من البنوك ومن السوق السوداء ويفضي إلى العنف والجريمة. وما نعايشه من أزمات اقتصادية جعل متخذي القرار في بلادنا، في ارتباكات وتخبطات غير مسبوقة في تعامل الحكومة مع الأزمة الاقتصادية الحالية بل والأزمة الصحية. فكانت مبادرة تحويل هبات مالية إلى كل سكان الدولة، إذ بلغ مجموع هذه الهبات قرابة 6 مليارات شيكل.
من وجهة نظري، يقول إغبارية، أرى أن خطوة توزيع الاموال ما هي إلا محاولة لتخفيف الأعباء الاقتصادية بخطوات غير مدروسة وغير مخططة جيدا. فمبلغ 750شيكل للفرد، ومبلغ 2500 شيكل و3000 شيكل للعائلة بالنسبة للإنسان والفرد ميسور الحال ليس كما هي عليه بالنسبة للإنسان والفرد الفقير وصاحب الفاقة والعوز، فكان حرياً أن يجري توزيع هذه الهبات بشكل متفاوت، حيث تصل لمن هو بحاجة فعلا وليس لميسوري الحال، وهذا سيوفر على الخزينة أموالا يمكن أن تستخدمها لعلاج أو توفير احتياجات الناس المتضررة من مصالح تجارية وغيرها.
ويتابع: فكما هو معلوم اقتصاديا فإن “الميل الحدّي” للاستهلاك لدى الفقراء والمحتاجين أكبر من ميسوري الحال وأصحاب المال، ولذلك فإعطاء الأموال لهم، يعني تحريك عجلة الاقتصاد بصورة أسرع وأكفأ. من جهة ثانية التجارب الاقتصادية أثبتت ان توزيع مثل هذه الأموال بعد أزمات اقتصادية كانت نجاعتها محدودة، إذ أن كثير من الأموال لا تجد طريقها إلى السوق وإنعاش الاقتصاد، وإنما إلى مسارب اخرى مثل التوفيرات وتسديد الديون وغيرها. ولنا في ذلك خير مثال التجربة الأمريكية بعد أزمة 2008 أشارت إلى ان 60% من الأموال التي تم توزيعها على الناس لبعث الحياة في الأسواق تم تداولها لتحريك العجلة الاقتصادية، في حين ذهبت 40% الى عناوين اخرى كتسديد ديون او توفيرات وغيرها.
ويختم د. أنس إغبارية المتخصص في الاقتصاد والتمويل حديثه بالتأكيد على أن هذه الأموال لن تقدم إلا القليل في تحريك العجلة الاقتصادية وإنعاش الحركة الاقتصادية. “فالأولى دعم الفئات المستضعفة، وأهل الحاجة والعوز، والعمل على دعم المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة حتى تُحرك العجلة الاقتصادية بوتيرة أسرع وبصورة أكفأ للاقتصاد”.
زكاة الناصرة تدعو إلى تصور مستقبلي وصندوق خاص بموسم العودة إلى المدارس
وفي إطار الحديث عن الحالة الاقتصادية الصعبة التي نعيشها قبيل افتتاح العام الدراسي الجديد، ذكر المسؤولون في لجنة الزكاة المحلية في مدينة الناصرة أن جائحة كورونا أثرت تأثيرا شديد الوطأة على عموم الأهل في الناصرة، وفي المجتمع العربي في الداخل، ولكن التأثير الأكبر من الناحية الاقتصادية كان أشد وطأة على الأسر المتعففة.
وأضافت اللجنة أن مكتبها استقبل هذا العام عشرات الأسر الجديدة على خلفية الجائحة، حيث سُجل ارتفاعٌ بنسبة 30% تقريبا قياسا مع أعوام سابقة، علما أن غالبية الأسر الجديدة التي توجهت إلى اللجنة فعلت ذلك لأول مرة في حياتها، بعد أن دخلت في ضائقة اقتصادية بسبب الوباء الذي أدى إلى انضمام الكثرين إلى سوق البطالة.
وأكدت اللجنة أن موسم المدارس يعتبر من أصعب المواسم التي يواجهها الأهل، لأنه غير قابل للتأجيل، إضافة إلى التكاليف العالية التي يضطر الأهالي إلى دفعها لتأمين عودة أبنائهم إلى مدارسهم، خاصة إذا ما وافق الموسم الدراسي مواسم أخرى مثل رمضان والعيدين وموسم الأعراس وغير ذلك.
وأشارت اللجنة إلى أن عشرات الأسر بدأت تتوجه إليها في الأيام الأخيرة طلبا للمساعدة في تأمين عودة أبنائها إلى مدارسهم، حيث قدمت اللجنة ما يمكنها من مساعدات لهذه الأسر، منبهة إلى أنه رغم كل هذا الجهد الذي تبذله، مع تعاونها مع جهات أخرى في المدينة للتيسير على الأسر المحتاجة في هذا الموسم، إلا أن الأوضاع تحتاج إلى تكاتف جميع الجهات على المستوى الرسمي والأهلي والشعبي من أجل التخفيف من أعباء الأسر الاقتصادية في الموسم الدراسي وفي غيره.
ودعت اللجنة أهل البذل والعطاء إلى تقديم العون لهذه الأسر، كما دعت جميع الجهات واللجان المعنية إلى وضع تصور مستقبلي موحد يضع حلولا دائمة لأعباء الموسم الدراسي، مثل إنشاء صندوق خاص تساهم فيه هذه الجهات لمساعدة أبنائنا في العودة إلى مدارسهم دون نواقص في الكتب المدرسية والقرطاسية والحقائب المدرسية والملابس وما شابه من مصروفات يحتاجها الطالب على مدار العام الدراسي.