أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المسجد الأقصى في العقلية الصهيونية ومسائل الفرص التاريخية (8).

صالح لطفي.. باحث ومحلل سياسي.
ثمة معادلة تترسخ باستمرار يمكن أن تتحول الى نظرية تحكم ثلاثية العلاقة بين الأقصى والاحتلال ودول عربية تطبع مع إسرائيل، سواء بالسر أو العلن، وتقول هذه المعادلة، التي يمكننا تنزيلها سياسيا على أرض الواقع وفحص صدقيتها، إنه كلما تقدم الاحتلال في علاقات تطبيع مع دول عربية، كلما تغول وتوحش اتجاه الفلسطينيين عموما والقدس والاقصى بشكل خاص.

الاتفاقيات، التطبيع، ودفع الثمن
تاريخيا، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد وملحقاتها في سنوات 1978 و1979، أقدمت إسرائيل على سن قانون القدس عاصمة موحدة لإسرائيل “قانون أساس القدس عاصمة لإسرائيل” عام 1980، وبعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر في 22 مايو من عام 1989 أمام “أيباك” المنظمة الصهيونية الأقوى والأكثر تأثيرا في الحاضر الأمريكي، بأن على إسرائيل ان تتخلى عن سياساتها التوسعية، جاءت مذبحة الأقصى الأولى عام 1990 وراح ضحيتها في ساحة المسجد الأقصى 23 فلسطينيا من المرابطين.. صحيح أن هذه المذبحة تزامنت مع تصريحات غرشون سلمون المتشدد الصهيوني-المتدين حيث دعا الى وضع الحجر الأساس للهيكل الثالث والتخلص من “الاحتلال الإسلامي لجبل الهيكل”، إلا أنه في عالم السياسة تربط الاحداث بعضها ببعض.
بعد توقيع اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، ومع الأردن عام 1994 ارتكب الاحتلال مجزرة الأقصى الثانية عام 1996، راح ضحيتها العشرات بين شهداء وجرحى قنصهم الاحتلال بدم بارد وهم يذّبون عن قبلتهم الأولى، وفي عام 2000 وبعد مفاوضات كامب ديفيد الثانية بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، قام شارون رئيس المعارضة آنذاك باقتحام المسجد الأقصى المبارك يوم الخميس 28-9-2000، مما أدى الى مواجهات مع الاحتلال في اليوم التالي، يوم الجمعة، ليرتقي 250 شهيدا في أبشع جريمة قتل بواح يرتكبها الاحتلال تحت سمع وبصر العالم فيما عُرف بمذبحة الأقصى الثالثة، مما أدى الى امتداد المواجهات الى كل أرجاء فلسطين التاريخية لتنطلق الانتفاضة الثانية.
وفي عام 2014، بعد ثبات المقاومة في قطاع غزة أمام الاحتلال الإسرائيلي، صوبَّ نتنياهو حرابه اتجاه المسجد الأقصى، ظانا أنه يمكن أن يعوض ما خسره في القطاع في القدس والمسجد الأقصى ويرضي غرور الغلاة من الصهيونية-المتدينة، وفي عام 2015 سعى الاحتلال لتضييق الطوق على البلدة القديمة والمسجد الأقصى فكانت هبة السكاكين، وقد تزامنت هذه الهبة مع قيام الاحتلال بقصف مكثف للقطاع، ونجم عن هذه الهبة التي أطلق عليها البعض الانتفاضة الثالثة أكبر مواجهات بين المقدسيين والاحتلال طالت المدينة المقدسة بطولها وعرضها، وكشفت عوار الاحتلال وضعف بنيته المجتمعية، وكانت أحد ردود أفعال الاحتلال عليها إخراج الحركة الإسلامية عن القانون. وفي عام 2017 أغلق الاحتلال المسجد الأقصى أمام المصلين واعتقل اكثر من خمسين من موظفي الأوقاف ووضع ما أطلق عليه البوابات الالكترونية مستثمرا الحالتين العربية والدولية، ونجم عن هذه العملية أكبر رد فعل في تاريخ المقدسيين حيث تجمع عشرات الآلاف في محيط المسجد لينتهي الامر بتفكيك وتدمير هذه البوابات.

تحذير الشيخ رائد صلاح يجب أن يحمل محمل الجد
الشيخ رائد صلاح في أثناء توديعه لإخوانه وربعه يوم الاحد المنصرم قبيل دخوله المعتقل لقضاء الحكم الصادر عليه، وجّه رسالة في غاية الأهمية، بل أزعم أنها الأكثر أهمية في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ المسجد الأقصى المبارك، وجهها الى الأردن باعتباره صاحب الوصاية المكلف من طرف جامعة الدول العربية وبموافقة فلسطينية راهنة، منبّها إلى دوره وضرورة التحرك بناء على هذا الدور خاصة في ظل التطبيع الجاري بين دول خليجية وإسرائيل، وقد أعلنت الإمارات عن سلام مع إسرائيل، وللإمارات أطماع وادوار تتساوق والصهيونية-الانجيلية العالمية في القدس والاقصى، كذلك للسعودية أطماع من هذا القبيل مع فارق بين الدولتين، وللحديث بقية.
اقتحام يهودا غليك للمسجد الأقصى جاء احتفالا ببداية ما يسمى عيد رأس السنة العبرية قبل أيام، والذي يشكل انطلاقة موسم الأعياد الأكبر في العام، وهو بالنسبة لجماعات المعبد المتطرفة الموسم الأخطر في الاقتحامات المتطرفة للمسجد الأقصى.
وبحسب الروزنامة الإسرائيلية فإن الموسم يحتوي ثلاثة أعياد متتالية، عيد رأس السنة العبرية، ويوم الغفران، وعيد العُرش، الذي يعتبر أحد أهم مواسم اقتحام المسجد الأقصى، خاصة أنه يمتد عدة أيام، منها يومان أساسيان تكثر فيها أعداد المقتحمين للمسجد بشكل ملحوظ (سيكونان هذا العام يومي 14 و20 أكتوبر). وتحاول هذه الجماعات كل عام أن تجعل من هذا العيد نقطة تحول في الوضع داخل المسجد الأقصى.
وبنظرة سريعة لتاريخ هذا الموسم بشكل عام وعيد العُرش بشكل خاص يتضح أن الاعتداءات على المسجد الأقصى تكثر، وتكثر فيه الدموية في كثير من الأحيان.
فمجزرة الأقصى الأولى التي وقعت يوم 8/10/1990 حدثت في نفس هذا الموسم خلال الاحتفال باليوم الخامس من عيد العُرش، واستشهد فيها 21 مقدسيا في المسجد الأقصى المبارك، ومجزرة الأقصى الثانية وقعت كذلك في 26/9/1996 وراح ضحيتها ثلاثة شهداء في المسجد، وكانت في نفس الموسم قبيل انطلاق عيد العُرش، وكانت انتفاضة الأقصى قد انطلقت عندما اقتحم أرئيل شارون المسجد الأقصى يوم 28/9/2000 في أول أيام عيد رأس السنة العبرية، تبعه في اليوم التالي مجزرة الأقصى الثالثة التي استشهد فيها خمسة شهداء داخل المسجد الأقصى.
كل هذه الأحداث وغيرها من الأحداث الدموية في الأقصى ارتبطت بشكل أو بآخر بهذا الموسم المهم الذي يتزامن في العادة بين نهاية شهر سبتمبر/ أيلول وأواسط شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام.
وبحسب مراقبين فلسطينيين فإن صراخ يهودا غليك في المسجد الأقصى جاء مؤكدا على أن جماعات المعبد المتطرفة تعيش حالياً بعد أن خاب أملها في نجاح حزب “القوة اليهودية” شديد التطرف من الوصول إلى الكنيست، وتقدم اليسار على اليمين في المقاعد داخل الكنيست. وهو ما يدل على أن هذه الجماعات باتت تشعر بضرورة التحرك العاجل لتسديد ضربات موجعة وقاصمة للمقدسيين خوفا من أن تخسر في الفترة القادمة المزايا التي حصلت عليها في السنوات الماضية خاصة مع كون وزير الأمن الداخلي “جلعاد أردان” يعتبر أحد أهم أقطاب هذه الجماعات.
ولا يستبعد مراقبون أن تحاول هذه الجماعات في حال شعورها باقتراب خسارتها ومكانتها – لو حدث ذلك – فسيتم خلط الأوراق بافتعال أحداث دموية خطيرة في المسجد الأقصى سعيا لتغيير الوضع القائم فيه على الأقل بالمنطقة الشرقية للمسجد. حيث تشعر هذه الجماعات منذ هبة باب الرحمة في شهر فبراير الماضي أنها خسرت جهودا طويلة امتدت 16 عاما لتغيير الوضع القائم في هذا المكان وتحويله إلى كنيس في قلب الأقصى لولا إعادة افتتاحه مصلى للمسلمين بالضغط الشعبي.
وهنا ولابد من الإشارة إلى أن معركة مصلى باب الرحمة لم تنته بعد، فجماعات المعبد المتطرفة لا تزال تحرص في اقتحاماتها على الوصول إلى الباب، وشرطة الاحتلال تحاول يوميا منع الفلسطينيين من الوجود في هذا المكان.
واللافت ما تردد من أنباء عن محاولات تقوم بها الشرطة الإسرائيلية وبعض أذرعها بمساومة المسلمين في المسجد الأقصى على وقف سياسة الإبعاد عن المسجد مقابل التنازل عن مصلى باب الرحمة والابتعاد عنه في الصلاة! وهو أمر بنظر كثير من الفلسطينيين يبين أن الاحتلال لم يستسلم بعد ولم يسلم بحق عودة مصلى باب الرحمة لأهله الطبيعيين ولوضعه الطبيعي الذي كان عليه منذ 800 سنة عندما أغلقه الأيوبيون وحوّلوه إلى مصلى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى