(أمام عبد الحكيم)

أحمد هاني مصطفى كيوان

تقفُ الحروفُ كسيحةً هزيمةً، أمامَ بابِ رثائِك يَا عبدَ الحكيم.
فكيفَ لي أنْ أَرْسُمَ مَا مَرَّ بي، وَأَنْ أُعَــبِّرَ رَاشِـــحًا عَــمَّا يَـمُرُّ بي؟
وكيفَ لـِهَــذهِ الحروفِ والمفرداتِ، والـمَعاجِمِ والـمُصْطَـلحاتِ، أَنْ تَـنْـحتَ شَاهِـقَــةً مِنَ العاطفةِ شَـيْــئًا، أَوْ زَافِـــرَةً مِنَ الجَـوارحِ غَـيْــضًا يَــلِــيــقُ بِــكَ؟!
يَا عبدَ الحكيم…
أُحَــاوِلُ الصُّعَــودَ إلى قِــمَّـةٍ، عَـلَّــنِــي أَفْــرَحُ بِــشَــيْءٍ مِنَ اللغةِ، يُــطَاوِعُـني وَيِــنْــقَــادُ لي، فَــأَسُوقُــهُ إِلَـيْــكَ دَامِــعًا رَاسِــمًا آهاتِ الحَنينِ، وَشَهَقَاتِ الأخوّةِ التي جَـمَـعَـتْــنَــا، وَأَلّـــفَـتْ بَـيْــنَ قَــلْــبَـــيْــنَا دُونَ مِيعادٍ.
وَأُحَاوِلُ الوُلُـــوجَ مِنْ زَاوِيَــةٍ خَــفِــيَّــةٍ، عَـلَّـنِــي أَسْتَطيعُ إِعلانَ حَالَةٍ مِنَ الحُــزْنِ، وَالدَّمعِ الرَّقيق.
كَيْفَ لِـي أَنْ أَزُفَّـــكَ صُورَةً دَامِــعَةً، وَلَوْحَــةً نَــازِفَـــةً، وَقَــصِـــيـــدَةً نَــاضِحَةً، مِنْ خِلالِ الفِـعْـلِ الـمَاضِي؟!!!
كَم ْأَبْــغَــضُ هَذَا الفِــعْــلَ الـمَاضِيَ!!!
وَكَــمْ أُكِـــنُّ لَـهُ مِنَ العَـدَاوَةِ وَالشَّــنَـــآنِ وَالوِتْــــرِ، مَا يَـكْــفِــي لِـمِلءِ جُــغْــرَافِــيَّــةِ هَذَا الكَـوْنِ.
أُحَــاوِلُ أَنْ اَبْـــتَـــعِــدَ عَنْ بِـــنَـــاءِ هَذَا الـفِــعْــلِ، الّذِي يُـــوقِــفُ الزَّمَـــنَ مُــتَـــأَوّهًــا، فَـــأَنْـــقَـــضُّ عَـــلَـــيْـــهِ هَــادِمًا مَــا فِــيـــهِ مِنْ فَــتْــحٍ وَضَـــمٍّ وَسُــكُــونٍ.
كَـمْ أَمْــقُتُ هَذَا الــفِــعْـــلَ الَّذِي يَــجْــعَـــلُ الـحَــيَـــاةَ رَمَـــادًا، وَالصَّـخَـــبَ سُــكُـــونًـــا، وَالَّـلوْنَ غُـــبَـــارًا، وَالـهَــوَاءَ مُـــرًّا مَـــقِـــيـــتًــا.
كَــانَ مَــا سَـــوْفَ يَـــكُـــونْ
قَـــتَـــلَـــتْــــكَ السُّــنْــــبُــــلَـــةْ
ثُــــمَّ أَهْــدَتْــــكَ السُّنُـــونُــو
فِـــي نَـــعِـــيـــمِ الــبَـــرَرَةْ
وَبِـــمَا أَنَّـــنِــي أَقِـــفُ عَـــاجِـــزًا أَمَـــامَ رِثَـــائِـــكَ، وَخَـجُــولًا عِـــنْـــدَ أَعْـــتَــــابِ تُـــرَابِــــكَ؛ فَلَا يَــتَـــبَـــقَّى لِـــي إِلَّا أَنْ أَسْـــأَلَ اللهَ أَنْ يَـــتَـــغَــــمَّـــدَكَ فِــي رَحْـــمَــتِــهِ، وَيُــــنْــــزِلَــــكَ مَــنَـــازِلَ الشُّـهَــدَاءِ وَالأَبْـــرَارِ وَالصِّدّيــــقِــــينَ.