في أوج التحضيرات للموسم الدراسي الجديد: كثرة الكتب التعليمية في نفس الموضوع، لصالح من؟
المركز-شادي عباس
يشكل المنهج التعليمي وثيقة أساسية في تخطيط منهج التدريس في المدرسة والصف. مهمة المنهج التعليمي هي مساعدة المدراء، المعلمين، الطواقم المدرسية، والمرشدين المفتشين في الرؤية الشاملة للمنهج التعليمي بكل مبادئه، أهدافه، ومضامينه. مع التغييرات والملاءمات وفقا لحاجات المدرسة وظروفها.
في هذا التقرير لن نقف على ماهية المواد المدرسة لأبنائنا، والتي تطرق اليها الكثيرون، واجمعوا على أن قسما لا يستهان به من هذه المواد تحدد من قبل جهات أمنية عليا، ووفق أجندات تخدم مصالح المؤسسة الاسرائيلية، وذلك عبر تغييب المواد التي تربط الطالب العربي بتاريخه، وتراثه، ودينه الحنيف…
وقف الكثير من الكتّاب، والصحفيين على مناهج التدريس في المجتمع العربي، وعلى مقدار الكم الهائل من المغالطة والتشويه من قبل القائمين على وضع المناهج. ومن هؤلاء كان الزميل الأستاذ حامد اغبارية، الذي ألف كتابا تحت عنوان “مضامين منهاج التعليم في مدارس الداخل الفلسطيني”، تطرق فيه الى النقاط التي ذكرنا.
مع كل هذا التزوير والتشويه، تواجه الأهالي والطلاب مشكلة كبيرة أخرى تتمثل بتغيير الكتب بشكل متكرر، ووجود عدة كتب لنفس الموضوع في ذات الطبقة التعليمية، إضافة إلى أن معظم هذه الكتب لا تنفع “للتوريث” من أخ لأخيه، أو من طالب لآخر، لأنها تستعمل ككراريس، ويتم الكتابة عليها، ناهيك على أن معظمها كتب باهظة الثمن.
أذكر في وقت دراستي أنني تعلمت انا وأخواتي بذات الكتب، أما اليوم فالكتب تصمد عدة سنوات حتى تتغير الطبعة، أو يصدر كتاب جديد، يجعل الكتب المتوفرة عديمة القيمة.
لا بد من التغيير
لا شك أن هناك تغيّيرات اجتماعيّة، ثقافية، اقتصادية، تلزم تفكيرا جديدًا حول المنهج التعليمي، أو أنه نشأت علوم جديدة تلزم تحديثا في المنهج التعليمي في موضوع معين. حيث تمر المجتمعات في العالم في سيرورات تغيير دائمة، فتتطور تكنولوجيات جديدة، وتنشأ مهن جديدة، وتنقرض مهن قديمة أيضًا.
في ظل هذه التغييرات يتم تأليف كتب وفق المناهج الجديدة، وهذا طبيعي، ولكن ما هو الداعي ان تكون عدة كتب لنفس الموضوع، في ذات الطبقة؟ ومن هو المستفيد من هذا الامر؟
ماذا تغير في اللغات، وفي الدين؟
على سبيل المثال ولتوضيح الصورة، وبشكل عشوائي غير مقصود، سنتعرض لكتب الصف الرابع بشكل عام، وموضوع الدين الاسلامي بشكل خاص.
في الصف الرابع الابتدائي، وبعد أن بحثنا في المكتبات، واستفسرنا لدى تجار الكتب، تبين لنا أن هناك على الأقل 6 كتب للغة العربية، و5 كتب للحساب، وأكثر من 6 كتب للغة العبرية، ومثلها للغة الانجليزية. فيما يدرس موضوع الدين الاسلامي بـ 5 كتب.
أحد هذه الكتب صدر في العام 2014 (دروس في الدين الاسلامي-تأليف د. حنان عبد الرحمن رزق الله، وصودق عليه بتاريخ 11-9-2014)، بينما صدرت الأربعة الأخرى في العام 2019…
كتاب التربية الاسلامية-تأليف د. سفيان كبها ود. فائدة ابو مخ-وصودق عليه بتاريخ 25-4-2019
الكوثر، دروس في تعليم الدين والتربية الاسلامية-تأليف: احمد وتد-وصودق عليه بتاريخ 1-6-2019
السبيل إلى التربية الاسلامية-تأليف البروفيسور أحمد ناطور-وصودق عليه بتاريخ 1-6-2019
اليقين في تعليم الدين-تأليف محمد حمزة وفردوس غنايم-وصودف عليه بتاريخ 22-7-2019
جميع هذه الكتب وفق “المنهاج الجديد” وهي لا تختلف عن بعضها البعض.
بعد تصفح هذه الكتب الخمسة تبين أنها تحوي نفس المواضيع، وتم تبويبها بذات الترتيب، بستة فصول، فكان الفصل الأول تحت عنوان “العقيدة الاسلامية”، والثاني تحت عنوان “القران الكريم وعلومه”، وهكذا حتى الفصل السادس الذي حمل عنوان “تزكية النفس والتهذيب”!!.
جميع المواد مبنية وفق المنهاج المطلوب، مع وجود فروق وتغييرات طفيفة، في اختيار الأحاديث مثلا، أو في ترتيب الدروس في ذات الباب؟ّ!
ثمن الكتب يتراوح بين 33 شاقلا للكتاب الذي صدر في العام 2014 “دروس في الدين الإسلامي، و46.90 شاقل لكتاب “اليقين في تعليم الدين”!
وهنا نعرض بعض التساؤلات:
إذا كانت جميع الكتب مبنية وفق ذات المنهج، وتشمل نفس المواضيع، فما هي الحاجة للمصادقة على عدة كتب لذات الموضوع؟ ومن هو المستفيد من هذا الأمر؟
إذا دققنا في تاريخ المصادقة على الكتب وجدنا انه صودق على أربعة منها في نفس العام، وحتى أن اثنين صودقوا في نفس اليوم، 1-6-2019!؟
ما هي العوامل، أو الشروط التي يتم من خلالها المصادقة على كتاب جديد، هل هي مهنية بحتة، أم أن للعلاقات الشخصية بين دور النشر والمؤلفين والمفتشين تأثير على ذلك؟
هل الهدف من نشر هذه الكتب جاء لمصلحة طلابنا، أم أنه ربحي بحت، ويسعى لتحقيق المبيعات فقط؟
من هي الجهة التي تحدد السعر، هل هي وزارة المعارف، أم أنها دور النشر والمؤلفين، التي تسعى لجني أعلى نسبة من الأرباح؟ ولماذا لا يكون سعر موحد لهذه الكتب؟
تعقيب وزارة المعارف
السيد يوسف طرودي، قسم المناهج في الوسط العربي قال: “تتلقى جميع الكتب التي تأتي إلى القسم معاملة متساوية من أجل ترخيصها، شريطة أن تستوفي معايير عالية من حيث المحتوى التربوي، ومدى ملاءمتها للمهارات المطلوبة في القرن الحادي والعشرين، من التحرير اللغوي، والمنتجة، وما إلى ذلك.
لدى وزارة التربية والتعليم وللمؤلفين هدف مشترك، وهو توفير كتب مدرسية جيدة وعالية الجودة في متناول الطلاب. مصلحة المهنة هي التي توجهنا، فمن واجبنا المهني توفير كتب ذات جودة عالية لطلابنا..
في اسرائيل هناك سوق حرة في المجال، ويمكن لأي شخص يستوفي المعايير وفقًا لتعميم مناشير المدير العام تأليف كتاب دراسي.
أسعار الكتب الدراسية تخضع لرقابة حكومية، وهي مكرسة في القانون وتنشر في لائحة أسعار.
يتم تحديد سعر كل كتاب وفقًا لنموذج التسعير. يتم احتساب السعر وفقًا للمعايير المعتمدة من لجنة الأسعار ووفقًا للقانون، ويحدد الاقتصادي المسؤول عن تسعير الكتاب سعر الكتاب وفقًا للمعايير في نموذج التسعير.
قواعد كتابة وإقرار الكتب المدرسية موجودة في منشور المدير العام على الموقع الإلكتروني التابع لقسم الموافقة على الكتب المدرسية.”
https://cms.education.gov.il/EducationCMS/Units/Mazkirut_Pedagogit/sifreilimud/Talich/
الحل في الضفة الغربية
حل هذه المشكلة، بسيط جدا، ويكمن في أن تحذو وزارة التربية والتعليم حذو الضفة الغربية والعديد من الدول في العالم، عن طريق اصدار الكتب بواسطة طواقم مختصة تقوم بتأليف الكتب جميعها من الصف الأول حتى الثاني عشر، كي تكون الكتب موحدة، يتم طبعها وإصدارها من قِبل الوزارة، وليس كما هو موجود الآن.
هذا الحل يؤدي إلى تخفيض سعر تكلفة الكتاب، فطباعة خمسين ألف نسخة لكتاب اللغة العربية للصف الأول مثلا، تجعله أرخص بكثير من وجود أكثر من 6 أنواع كتب مختلفة، يطبع 7 الاف نسخة على الاكثر من كل واحد. مما يجعل سعرها أعلى. وهذه هي تجربة الضفة وهي تجربة ناجحة جدًا، إذ أنّ أسعار الكتب المتعارف عليها في الضفة الغربيّة هو ما بين 10 إلى 20 شيقل ليس أكثر، وهي كُتب وزارة التعليم وموحدة لكل المدارس في الضفة الغربيّة، فالحل الوحيد هو أن تصدر الوزارة كتباً موحدة يكون الهدف منها تعليمي وليس ربحي تجاري.
هذا الأمر يمنع تزوير الكتب ايضا، لان انخفاض اسعارها يجعلها غير مربحة للمزورين الأمر الذي سيدفعهم عن التنازل عن فكرة التزوير.