د.حمد: حماس بين ابو مازن ودحلان: المعادلة الصعبة!
غزة – كتب القيادي في حركة حماس د.غازي حمد مقالة حول الأزمة السياسية التي يعيشها الواقع الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة، والتقارب بين حركة حماس والقيادي الفلسطيني محمد دحلان، والتي جاءت رغم التناقضات في التفكير والأدوات بين الطرفين، وموقف محمود عباس الرافض لهذه العلاقة، وموقفه من قطاع غزة الذي أصبح غارقاً في الأزمات بسبب اجراءاته الأخيرة.
مقالة حمد تمثل رؤيته وقتاعته بأن المصالحة الوطنية يجب أن تكون شاملة لتستقر وتثبت وتغير من الوقائع المعقدة على الأرض.
وجاء في مقالة القيادي في حركة حماس د.حمد: “(1) مثلث سياسي
لان الساحة الفلسطينية دوما حبلى بالمفاجآت ..
مشحونة بالتوترات والخلافات ..
غارقة في التناقضات …
فان إقامة علاقات وطنية ذات خط مستقيم امر بالغ الصعوبة, شديد التعقيد.
الخلاف الابرز والاقوى في الساحة الفلسطينية هو بين حماس وابو مازن (حركة فتح),وحديثا دخل
محمد دحلان –على الخط- ليصبح الضلع الثالث في المثلث الفلسطيني (المكسور).
ذلك المثلث غير متساوي الساقين ولا متساوي الاضلاع ..لا تشابه ولا تطابق …ولم تعد هناك زاوية
قائمة سياسيا , ولا تنطبق عليه قوانين الرياضيات الحديثة!!
حجر الزاوية في هذا المثلث حماس التي حولت زاويتها هذه المرة .
الحركة التي تحكم قطاع غزة تجد نفسها امام معادلة سياسية صعبة ومركبة, وفي مثل هذه
الظروف-الاستثنائية- فإنها غالبا ما (ُتدفع) باتجاه “أهون الشرين”, نظرا لمحدودية الخيارات .
دوما كانت معادلة العلاقات السياسية لحماس , سواء على الصعيد الوطني او الصعيد الخارجي ,
محكومة بتعقيدات الواقع الفلسطيني المضطرب وتناقضات الخارطة السياسية للوطن العربي .
ما اثقل كاهل حماس أكثر وجعل قدرتها على المناورة مقيدة الى حد بعيدة تحملها –القسري- لعبء
مليوني مواطن في غزة يعيشون في ظروف,اقل ما يقال عنها انها قاسية وخارجة عن المألوف, وهو
الامر الذي استنزف الكثير من طاقتها وقدراتها ومفاوضاتها ,وبنت على اساسه جزءا من علاقاتها
السياسية .
هناك من يريد لحماس ان تبقى غارقة في مشاكل وازمات غزة الى الابد, وهناك من يتهمها بالتشبث
في الحكم .وبين هذا وذاك تحاول حماس رسم خارطة علاقاتها.
(2) الحليف الجديد !!
الذهاب باتجاه محمد دحلان لم يكن خيارا سهلا نظرا للكثير من المعوقات النفسية والسياسية التي
تحكم هذا المسار.
طوال السنوات الماضية رفضت- او ترددت- حماس في فتح قنوات مع دحلان رغم ان الفرصة
كانت متاحة لإعادة ترتيب العلاقة معه ,فقد كانت تراهن على انه يمكن التوصل لاتفاق مصالحة مع
ابو مازن يضع حدا لازمة النظام السياسي, لكن هذا لم يحدث ,وتدهورت العلاقة وانحدرت نحو
الاسوأ.
ما جعل حماس تتردد/ترفض ترتيب العلاقة مع دحلان اسباب كثيرة ,منها الإرث الثقيل الذي حملته
الحركة تجاه دحلان باعتباره مسئولا عن المواجهات الدموية عامي 2006 و 2007 ومحاولات
افشال حكومة حماس الى غيرها من الممارسات التي اقنعت حماس – حتى وقت قريب ان دحلان
ليس الخيار المفضل . ثانيا : ان دحلان ارتبط اسمه بمحاور عربية تشكل خطا معاديا لحلفاء
واصدقاء حماس في المنطقة , وزاد من صعوبة الامر ما ترسخ لدى حماس بان دحلان لعب دورا
اقليميا في التحريض على تيار الاسلام السياسي في المنطقة ونسب له الكثير من “المؤامرات” في
اسقاط الرئيس محمد مرسى والتدخل في مسار الثورة التونسية والليبية . ثالثا : ادراك حماس بان قدرة
دحلان على تقديم معالجات حقيقية لمشاكل غزة ربما تكون محدودة.
ظلت هذه الرؤية تحكم تفكير وسلوك حماس السياسي, الى ان احتدت العلاقة بين دحلان وابو مازن
ووصلت الى حد القطيعة و”الحرب الباردة, ووجدت حماس نفسها مضطرة لخلق حالة “توازن ”
حساسة في العلاقة بين الطرفين .
تارة تسمح لمؤيدي ابو مازن بالخروج للمشاركة في المؤتمر السابع، وتارة تسمح لانصار دحلان بالسفر من اجل نشاطات سياسية.
لكن هذا التوازن لم يصمد كثيرا !!
فقد ساءت علاقة حماس مع ابو مازن ووصلت الى حد القطيعة والحرب الباردة أيضا, ومن ثم
بدأت تبتعد عن مساره, وتقترب قليلا – وبحذر –من فتح طاقة صغيرة مع دحلان كنوع من الضغط
السياسي على غريمها العنيد ,ثم للبحث عن حلول لازمات غزة ,ثم لبناء صيغة علاقات سياسية
جديدة تتجاوز ارث الماضي وتخرج عن النمط المعهود.
حماس وصلت الى قناعة – كما وصل دحلان نفسة – بانه لا مجال للوصول الى حل وسط مع ابو
مازن , وتولدت قناعة مشتركة لكليهما بان ابو مازن يقود المشروع الوطني نحو الهاوية ويقود حرب
تجويع وعقوبات ضد غزة.
ان ابو مازن بسياساته وإجراءاته اللامعقولة- واللاوطنية- قد ساهم الى حد كبير في خلق حالة
تقارب بين حماس ودحلان , وهو الذي كان دوما يحارب لمنع أي تقارب بينهما.
(3) حماس وادارة العلاقات المتناقضة
بسبب الكثير من التقاطعات والمصالح وبسبب ظروف غزة القاسية, لا تستطيع حماس قطع الحبال
مع ابو مازن ولا تجاهل وجود دحلان السياسي, ومن هنا تنبع الحاجة الى تبني سياسة ذكية ,مرنة,
حذرة , قائمة على استيعاب/احتواء التناقض القائم !
من المهم ان توضع العلاقة مع دحلان في سياقها الوطني الذي يؤكد انها ليست موجهة ضد احد,
وانها تأتي ضمن منظومة العلاقات الوطنية الطبيعية ..وقائمة من اجل خدمة المشروع الوطني ..
وانها ليست بديلا عن المصالحة الوطنية الشمولية.
كان يجب على حماس أن تدير علاقتها مع دحلان بغض النظر عن خلافها السياسي مع ابو مازن
, باعتبار ان من حقها الطبيعي اقامة علاقات مع أي مكون فلسطيني, لكن حماس ترددت كثيرا
وطويلا –ولأسباب غير مفهومة – وانتظرت الى ان تأزمت العلاقة مع ابو مازن كي تفتح ثغرة في
جدار العلاقة مع خصمها اللدود دحلان.
احدى نقاط ضعف حماس في رسم سياساتها انها غالبا ما تأتي متأخرة, وتأتي في ظروف غير
مريحة لها, مما يشكل قناعة انها لا تتحرك الا تحت الظروف الضاغطة والقسرية ,وهو الامر الذي
يفقدها القدرة على تحقيق اختراقات سياسية.
حماس يجب ان تدرك ان قدرتها على انجاز مشروع التحرر والخروج من ازمات غزة لا يمكن ان
يتأتى الا في وجود شبكة وطنية قوية تتحمل الضربات الصدمات .
فتح تشكل ركنا اساسيا لهذه الشبكة ,وهذا يفرض على حماس التفكير جيدا في تقييم واعادة تركيب علاقتها مع حركة فتح (بجناحيها) ,دون غلو هنا او تفريط هناك.
(4) مستقبل علاقة حماس ودحلان
واضح ان دحلان معني بان تكون علاقته وثيقة مع حماس بعد ان (غسل يديه) من امكانية التصالح
مع ابو مازن . دحلان حاول في السنوات الماضية ان يمد جسور العلاقة مع حماس لكنه كان دوما
يواجه بموقف غامض , رمادي , متردد, واحيانا رافض بشكل صريح !!
ولان قوة دحلان الرئيسة متواجدة في غزة ,فان الطريق القسري يجب ان يمر من “بيت” حماس!
تقديري ان دحلان لا يزال يختلف كثيرا مع حماس في فكرها الايدلوجي والسياسي, لكنه يؤمن بانه
من المستحيل تجاوز الثقل لعسكري والسياسي للحركة وانها يمكن ان تشكل –معه- بديلا للنهج
السياسي الفاشل الذي يقوده ابو مازن.
علاقة دحلان مع السلطات الحاكمة في مصر وقدرته على اقناع حماس انه قادر على المساهمة
في تقديم معالجات لازمات غزة وانه يمكن ان يكون جسرا بين مصر وحماس شجع الحركة على
تجاوز خط التردد وعقد اللقاءات مع تيار دحلان.
هذا لا يعني ان دحلان سيجلب الحلول السحرية لمشاكل غزة, وان بإمكانه ضمان فتح معبر رفح او
تدفق الوقود في شريان محطة الكهرباء اذ ان التعقيدات السياسية في المنطقة والقيود المفروضة على
غزة من عدة اطراف ستجعل الامر صعبا وشائكا.
لكن من حق حماس طرق الابواب كلها في ظل انعدام الخيارات.
الحرب ليست خيارا , كما ان تجاهل المصالحة الوطنية كبوابة لمعالجة القضايا السياسية والمعيشية
ليست ايضا خيارا .
العامل الاهم في هذا الحراك هو شخصية قائد الحركة في غزة يحيى السنوار الذي يتميز بقدرته على
الخروج على النمط التقليدي للحركة الذي دأبت عليه في السنوات الماضية وكسر حاجز التردد
واتخاذ قرارات جريئة تتجاوز الخطوط الحمراء.
بغض النظر عما يشاع عن السنوار بانه من( مدرسة العسكر) في حماس الا انه بتقلده منصبه ”
السياسي” الاول في غزة ارغمه على انتهاج سياسية جديدة أكثر واقعية.
هذه الواقعية تتطلب توسيع الخيارات وعدم سد أي باب لإنهاء حالة الانقسام-مهما طالت, حتى مع
ابو مازن(فتح) باعتبار انه حقيقة قائمة لا يمكن الالتفاف عليها.
لم يكن السنوار يعارض التصالح مع ابو مازن وتقديم “تنازلات ” من اجل انجاح ملف المصالحة,
وتجاوب مع العديد من الاقتراحات – التصالحية التي طرحت من قبل بعض الفصائل- واولها فتح-
لكن شعوره بان ابو مازن غير جاد صرفه عن الاستمرار في هذا المسار.
السؤال : الى اين ستصل علاقة حماس ودحلان , وهل يمكن ان يكون (زواجا ناجحا),وما الذي
يمكن ان تقدمه على الصعيد السياسي وصعيد حل مشاكل غزة؟ .
من المبكر ان نقول ان هناك العلاقة قامت واستقامت على سوقها,لان كلا الطرفين لا يزال يتفحص
مواقف الاخر ويتثبت من جديته ..ولان ارث الشكوك والتاريخ المثقل لا يزال ماثلا.. ولان التحديات
والتناقضات القائمة في الساحة الفلسطينية والساحة العربية سيكون لها تأثير كبير على مجرى العلاقة
بينهما.
علاقة حماس بدحلان في ظل الاجواء العربية العاصفة والمتقلبة وتغير الاصطفافات من حين لآخر
وحرص ابو مازن على “تخريب ” هذه العلاقة ومنع وصول دحلان الى غزة قد يعرضها لكثير من
الاهتزازات خاصة اذا لم تقم على اسس متينة وصلبة.
في حال قدمت مصر خطوات ايجابية بشأن فتح معبر رفح والمساهمة في حل مشكلة الكهرباء فانها
ستعزز من علاقة الطرفين , لكن ظني ان حسابات مصر دقيقة جدا, فهي لن تدير الظهر لأبو
مازن فهو في نظرها لا يزال يمثل الشرعية الفلسطينية برغم كل تحفظاتها عليه , وهي لن تمنح
حماس كل ما تتمناه وتتوقعه .
السؤال المهم : هل ستشكل علاقة دحلان بحماس اضافة نوعية للمشهد السياسي , وهل ستساهم في
تغيير قناعات ابو مازن تجاه الحالة الفلسطينية , وهل ستنجح محاولات ايجاد القواسم المشتركة
بينهما في ظل التباينات السياسية ؟؟
الاسئلة كثيرة , والمشوار طويل . والعقبات جسيمة(كما هو الواقع الفلسطيني دائما).
لكن في نهاية المطاف الحالة الفلسطينية لا تصلح الا بتوافق كل الاطراف – دون استثناء .
المثلث لا بد ان يكتمل .