“مناعة القطيع” تطعم فيروس كورونا حتى يموت من التخمة.. فهل تجويعه أفضل؟
مع تفشي فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض “كوفيد 19” في العالم، طبقت السويد سياسة مختلفة عن بقية الدول في التعامل مع الوباء، إذ لم تفرض الحجر الصحي، وطبقت تدابير مرنة للوصول إلى “مناعة القطيع”، فهل نجحت هذه التجربة؟ وهل يمكن تطبيقها في الدول العربية؟
تقوم إستراتيجية “مناعة القطيع” على فكرة أنه عند إصابة أكبر عدد ممكن من الناس بمرض معين مثل كورونا، فإن معظمهم سيتماثلون للشفاء -رغم الوفيات الكبيرة المحتملة-ومن ثم ستكون لديهم مناعة ضد الفيروس، وهو الأمر الذي سيساعد على تحجيم المرض في النهاية.
لعل أقرب تشبيه لإستراتيجية “مناعة القطيع” هو السماح للفيروس بأن “يتغذى” على أكبر عدد من الناس، مما يكوّن مناعة ضده لدى المجتمع، والنتيجة تراجعه وهزيمته بعدما يصاب “بالتخمة”.
أما إستراتيجية الحجر الصحي والعزل فتقوم بالمقابل على مبدأ التجويع، إذ وفقا لعضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة في القاهرة البروفيسور مجدي بدران -في تصريحات سابقة لهيئة الإعلام الألمانية “دويتشه فيله”- فإنه عندما يبقى الأشخاص المصابون بالفيروس بعيدا عن الآخرين ولا يمكنهم تمريره إلى أي شخص آخر، سيؤدي هذا إلى “تجويع فيروس كورونا المستجد”، ويقصد به حرمان الفيروس من الوصول إلى خلايا الأفراد، وبهذه الطريقة يقل عدد الأشخاص الذين يصابون بالمرض في نفس الوقت ولا يجد الفيروس من يدخله فيموت.
وفيات
في المقابل وحتى تنتشر مناعة القطيع، سيكون الفيروس قد أصاب الملايين وقضى على الآلاف، وهو الأمر الذي عرّض هذه الإستراتيجية للانتقاد من خبراء صحة. وفي وقت سابق نقلت “الغارديان” عن مسؤول كبير في خدمة الصحة الوطنية البريطانية أنه بمعدل إصابة بالمرض يبلغ 80% ستصل نسبة الوفيات إلى أكثر من نصف مليون شخص (في بريطانيا).
دعونا نبدأ مع السويد التي كانت استثناء في تعاطي دول الغرب مع أزمة كورونا، إذ بدل فرض الحجر الصحي أو إعلان حالة الطوارئ، عوّلت كثيرا على تفهم السكان اعتماد سياسة التباعد الاجتماعي، وذلك وفقا لمقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية للكتّاب نيلز كارلسون وشارلوتا ستيرن ودانيال بي. كلاي.
وحتى اليوم تجاوز عدد الإصابات بفيروس كورونا في السويد 28 ألفا، والوفيات 3500، وذلك وفقا لموقع “وورلد ميتر”.
وكانت السلطات في السويد قد فرضت قيودا مرنة بهدف تسطيح المنحنى، على غرار منع التجمعات التي تفوق 50 فردا، والتعليم عن بعد في المدارس الثانوية والجامعات. وقد تجاوب السويديون مع هذه الإجراءات المرنة وغيروا سلوكهم.
وأشار المقال إلى أن السلطات السويدية لم تعلن رسميا أن هدفها الوصول إلى مناعة القطيع، وإن كان معظم العلماء يعتقدون أن ذلك قد يتحقق عندما يصاب أكثر من 60% من السكان بالفيروس، لكن زيادة المناعة هي بلا شك جزء من الإستراتيجية الأوسع للحكومة، أو على الأقل نتيجة محتملة لإبقاء المدارس والمطاعم ومعظم الشركات مفتوحة.
وتوقع كبير علماء الفيروسات في وكالة الصحة العامة السويدية أندرس تيجنيل أن تتمكن مدينة ستوكهولم من الوصول إلى “مناعة القطيع” في وقت مبكر من هذا الشهر. واستنادا إلى الافتراضات السلوكية المحدثة يوميا، وبحسب عالم الرياضيات في جامعة ستوكهولم توم بريتون، فإن تحقيق 40% من مناعة القطيع في العاصمة قد يكون كافيا لوقف انتشار الفيروس بحلول منتصف يونيو/حزيران المقبل.
وبحسب المقال، فقد لاقت سياسة السويد استحسان بعض الأوساط لحفاظها على وضع اقتصادي شبه طبيعي، وعلى نسبة وفيات أقل مقارنة بالعديد من الدول الأوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا. لكنها أيضا وجهت لها انتقادات من أوساط أخرى باعتبار أن معدل الوفيات لديها تجاوز بقية دول الشمال، ناهيك عن عدم توفير الحماية للسكان المسنين والمهاجرين.
غير أن السلطات السويدية قالت إن ارتفاع معدل الوفيات في البلاد سينخفض مع الوقت، وعندما تواجه معظم دول العالم موجة ثانية مميتة ستكون السويد حينها قد تركت الأسوأ خلفها.
ووفق المقال، لم تكن استجابة السويد للفيروس مثالية، إلا أنها نجحت في تقوية مناعة الشبان والأشخاص الأصحاء، أي أولئك المعرضين بشكل أقل لخطر الإصابة بمضاعفات فيروس كورونا، مع المحافظة على تسطيح المنحنى. كما لم يخرج الوضع عن السيطرة في وحدات العناية المركزة في البلاد، ولم يتم إرهاق الطاقم الطبي.
الجانب المظلم
ولكن في السويد أيضا، كانت دور المسنين أكثر المتضررين من وباء كورونا، مما دفع الدولة إلى الإقرار بأنها فشلت في حماية كبار السن فيها.
وتأسفت وزيرة الصحة السويدية لينا هالينغرين في تصريح للتلفزيون الرسمي قائلة “لقد فشلنا في حماية كبار السن.. إنه فشل للمجتمع بأسره.. يجب أن نتعلم منه، لم ننته بعد من هذا الوباء”.
وعندما تخطت السويد عتبة الثلاثة آلاف وفاة بفيروس كورونا المستجد، كان نصفها قد حدث تقريبا في دور المسنين.
وتحدثت وسائل إعلام محلية في الأسابيع الأخيرة، عن ظروف العمل في دور رعاية المسنين التي تعاني من نقص في وسائل الحماية، لدرجة أن البعض فضل عدم العمل، وعانت بعض الدور من نقص في الموظفين.
وأظهرت شهادات أن بعض كبار السن أصيبوا بالعدوى أثناء دخولهم المستشفى لتلقي علاجات أخرى، ثم عادوا إلى الدار حيث نقلوا الفيروس دون علمهم.
وفي مقال رأي لكارل تي. بيرجستروم وناتالي دين نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن السويد شهدت بالفعل حالات وفاة أكثر بكثير من جيرانها.
وقال الكاتبان إن الوصول لمناعة القطيع دون لقاح سيؤدي إلى موت الملايين. وحتى بعد تحقيق الوصول فإن هذا لا يعني توقف الفيروس، إذ سيستمر عدد الإصابات في الارتفاع.
الدول العربية
وعن مناعة القطيع وإمكانية تطبيقها في العالم العربي، قالت الباحثة في مستشفى هايدلبرغ بألمانيا الدكتورة علياء أبو كيوان في تصريحات سابقة لهيئة “دويتشه فيله”، إن في تطبيق تلك المنهجية مخاطرة كبيرة خصوصا مع فئة كبار السن والأشخاص ذوي المناعة الضعيفة، ولذلك فإن الكثير من الدول تقف ضد تطبيق تلك الإستراتيجية لأنها لا تريد التضحية بتلك الفئات الحرجة.
وأضافت الدكتورة علياء أن هذا الأمر سينتج عنه عدد ضخم من الإصابات مما قد يمثل ضغطا على القطاع الصحي، مشيرة إلى أن ألمانيا ورغم كل إمكانياتها الهائلة فضلت تعطيل الاقتصاد لشهر كامل، لأنها لا تريد أن تخاطر بصحة أو أرواح كبار السن أو الضعفاء، بل على العكس قررت بذل المزيد من الجهود لحمايتهم وعلاجهم.
بدوره، يرى البروفيسور بدران أن فكرة مناعة القطيع لن تكون مفيدة حاليا، وأضاف “لا أقبل أن نضحي بوفاة مليون لكي يعيش 100 مليون.. لكن ربما تكون تلك الإستراتيجية مفيدة في المستقبل لو تحور الفيروس وأصبح موسميا أو متوطنا، فساعتها سيكتسب العامة مناعة ضده، ويصبح مرضا بسيطا”.
نحتاج إلى لقاح
لذلك يرى خبراء أنه وفقا للمعطيات الحالية فإنه لا يمكن الوصول إلى مناعة القطيع دون تطوير لقاح، وهو أمر أكدته دراسة فرنسية حديثة.
وأجرى الدراسة معهد باستور، ووجدت أن 4.4% فقط من سكان فرنسا -أي 2.8 مليون شخص- أصيبوا بفيروس كورونا، وهو ما يزيد بكثير عن الإحصاء الرسمي للحالات، لكنه أقل بكثير من العدد اللازم لتحقيق مناعة القطيع.
ورصد معهد باستور معدل العدوى بدءا من 11 مايو/أيار الجاري، وهو اليوم الذي بدأت فيه فرنسا تخفيف إجراءات العزل العام التي دامت قرابة شهرين.
وذكر الباحثون -في الدراسة التي نشرت الأربعاء الماضي في دورية “ساينس”- أنه “ينبغي أن يكون 65% تقريبا من السكان محصنين إذا كنا نريد السيطرة على الجائحة بوسيلة المناعة وحدها”.
ويقول الباحثون إنه “نتيجة لذلك تظهر نتائجنا أنه بدون لقاح لن تكون مناعة القطيع وحدها كافية لتجنب موجة ثانية عند نهاية العزل العام، لهذا يتعين تطبيق إجراءات مكافحة فعالة بعد 11 مايو/أيار” الجاري.
وقال معهد باستور إن العزل العام الذي بدأته فرنسا يوم 17 مارس/آذار الماضي أدى إلى تراجع شديد في معدل تكاثر فيروس كورونا، حيث تراجع من 2.9 إلى 0.67 خلال حالة الإغلاق التي استمرت 55 يوما هناك.
إسبانيا أيضا
وخلصت دراسة إسبانية نشرت الأربعاء إلى نتائج مماثلة، وقالت إن نحو 5% من السكان أصيبوا بالمرض ولا توجد مناعة قطيع في إسبانيا التي بدأت بدورها تخفيف إجراءات العزل العام تدريجيا. ونشرت الدراسة الحكومة الإسبانية.
وقال وزير الصحة سلفادور إيلا “وجدت الدراسة أن 5% من الإسبان أصيبوا بالفيروس، أي أكثر بقليل من مليوني شخص”. وأظهرت بعض الدراسات أن جزءا من الأشخاص المصابين لن تظهر عليهم أي أعراض، ولكن لا يزال بإمكانهم نقل المرض.
لذلك فإن المعطيات المتوافرة حاليا لا تشجع على تطبيق إستراتيجية مناعة القطيع، ويبدو أن ثمنها سيكون مرتفعا من حيث الوفيات، وخاصة لدى المسنين مثلما حدث في السويد. كما أن هناك شكوكا في إمكانية الوصول إلى مناعة القطيع أصلا دون تطوير لقاح لكورونا.
المصدر: وكالات,نيويورك تايمز,فورين أفيرز,مواقع إلكترونية,الفرنسية,دويتشه فيلله,غارديان,رويترز