مدى الكرمل يصدر.. الانتاج المعرفيّ الفلسطينيّ: نصوص مختارة لطلاب الدكتوراه الفلسطينيين
أصدر مركز مدى الكرمل-المركز العربيّ للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، مقالات هي باكورة أعمال مجموعة من طلبة سمينار الدراسات العليا في العدد السابع والثلاثين من مجلّة جدل بتحرير عرين هواري والدكتور مهنّد مصطفى. في مقدّمة العدد يتحدّث المحرّران عن أهمّيّة مشروع سمينار طلبة الدراسات العليا الذي يهدف إلى إنتاج معرفة منحازة وطنيًّا، لكنها علميّة وتعتمد المناهج البحثيّة الرصينة، وتُنتج باللغة العربيّة؛ فاللغة جزء من ماهية المعرفة. قدّم الطلبة في هذا العدد مقالات أوّليّة حول أبحاثهم، والتي عالجت ثلاثة محاور: الأوّل شمل مقاربات تاريخيّة وسياسيّة لفلسطين. والثاني تناول موضوع الهُويّة والدين فيما يتعلّق بالنساء المسلمات تحديدًا. أمّا المحور الثالث، فقد تناول موضوع الصحّة والتربية في السياق الإسرائيليّ من منظور فلسطينيّ. سعى مركز مدى الكرمل من خلال هذا العدد إلى عرض أبحاث الطلبة على المجتمع الفلسطينيّ، وإلى كشف التنوّع الموضوعيّ والمنهجيّ الذي يتّبعه الطلبة خلال دراستهم العليا، وتوفير منصّة لهم لنشر باكورة أعمالهم البحثيّة التي تطرح قضايا قلّما طُرِحت في السابق.
يحتوي العدد (37) من مجلّة جدل على تسع مقالات، جاء المقال الأوّل منها للدكتور مهند مصطفى، المدير العام لمدى الكرمل، حول فعل الكتابة البحثيّة وفعل الإنتاج المعرفيّ. يناقش مصطفى تبلور البحث العلميّ الفلسطينيّ داخل الجامعات الإسرائيليّة، وهيمنة المقاربات الإسرائيليّة النظريّة على هذه الجامعات التي يقوم الباحث الفلسطينيّ داخل الخط الأخضر بفعل الإنتاج المعرفيّ من خلالها. يضيف مصطفى أنّ الجامعة الإسرائيليّة تُعتبر، تاريخيًّا، “جزءًا من منظومة إنتاج المعرفة الاستعماريّة عن الفلسطينيّين. فالجامعة الإسرائيليّة كانت إحدى المؤسّسات التي أسهمت في تزويد المشروع الصهيونيّ عمومًا، والدول خصوصًا، بمعرفةٍ تَدْخل في إطار بناء الدولة والأمّة واليهوديّة”.
في مقاله، عالج أحمد محمود، طالب الدكتوراه في الجامعة العبرية، العلاقة ما بين الحكم المحلّيّ والحكم المركزيّ في حيفا الانتدابيّة: المفتّش الصحّيّ والصراعات مع بلدية حيفا نموذجًا. يدّعي محمود وجود ترابط بين السياسات الصحّيّة البريطانيّة في فلسطين الانتدابيّة التي كانت موجّهة الى الرعايا البريطانيّين في فلسطين، وبين ممارسات قسم الصحّة في بلدية حيفا التي عبّرت عن السياسات الحكوميّة البريطانيّة المتمثّلة في سيطرة الإدارة البريطانيّة على إدارة الصحّة العامّة بما يخدم رؤيتها الاستعماريّة حول وضع حيفا الصحّيّ.
وتناول د. خالد خليل أحمد الشيخ عبد الله، المحاضر في الكلّيّة العربيّة للعلوم التطبيقيّة-غزّة، مستوى تماسك حركة فتح الداخليّ، وأثره على مستقبل النظام السياسيّ الفلسطينيّ. وقد سلّط الضوء في مقاله على دور حركة فتح في النظام السياسيّ لكلٍّ من منظمة التحرير الفلسطينيّة والسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، وبيّن أثر الانقسام على النظام السياسيّ الفلسطينيّ. يرى عبد الله أن حركة فتح استطاعت -رغم ما تمرّ به قيادة السلطة الفلسطينيّة – من مواجهة التحدّيات الداخليّة والخارجيّة لها، فهي ما تزال تسيطر على النظام السياسيّ والمشهد السياسيّ الفلسطينيّ.
في مقالها، تتناول غادة علي السمّان، المرشّحة للدكتوراه في جامعة بير زيت، اتّفاقية أوسلو والتأسيس لبيروقراطيّة استعماريّة. وقد هدفت السمّان من وراء مقالها إلى “التعمّق في الآليات التي تضمّنتها اتّفاقيّة أوسلو، وما أدّت إليه من إحداث تحوّلات في الصراع الاستعماريّ يتجسّد في مفاهيم بيروقراطيّة آلت إلى شكل استعماري أكثر هيمنةً وضبطًا وتنظيمًا”. وهي تدّعي أنّ هذه الآليات “أصبحت هدفًا في ذاتها، وأدّت إلى خسارة فلسطينيّة على مستوى الأرض والقوّة والكلّ الفلسطينيّ”، وأنّ “شبح البيروقراطيّة انعكس على الواقع محدثًا تحوّلات على جوهر الصراع من خلال هذه الآليات”.
وفي محور الهُوية والدين، عرضت عائشة اغباريّة، طالبة الدكتوراه في قسم الصحافة والاتّصال في الجامعة العبريّة في القدس، مقالًا حول إدارة العلاقات الاجتماعيّة الإنترنتيّة خلال فترات التديّن لدى النساء المسلمات في مناطق الـ 48. وقد رَمَت اغباريّة من خلال البحث إلى الكشف عن الإمكانيّات التي تتيحها مواقع التواصل الاجتماعيّ للنساء المسلمات، والدور الذي تلعبه في بلورة وعرض هُويّتهنّ الدينيّة، في سياق اجتماعيّ تقليديّ ذكوري، وفي ظلّ نظام سياسيّ يتّسم بالعلمانيّة. وتربط اغباريّة أهمّيّة البحث بواقع النساء المسلمات في إسرائيل كفئة مستضعفة في أكثر من جانب، فهنّ نساء، مسلمات وفلسطينيّات.
وشاركت ناهد محمود كنعان، طالبة الدكتوراه في قسم الدراسات الشرق أوسطيّة في جامعة بن غوريون، بمقال حول التحوّلات في الفكر الإسلامي المعاصر من خلال “تقصّي التاريخ المؤسساتيّ لمجمع الفقه الإسلاميّ الدوليّ التابع لمنظّمة التعاون الإسلاميّ” بهدف الوقوف على مكانة المرأة المسلمة والقضايا المتعلّقة بها من نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحاليّ من خلال مناقشة قرارات المجمع الفقهيّة الصادرة تجاه إشكاليّة المفاهيم النسويّة وقضايا العدل من منظور النوع الاجتماعيّ.
وفي المحور الثالث من العدد، عالجت نور عبد الهادي شحبري، طالبة الدكتوراه في موضوع صحّة الجمهور، موضوع الورم الحليميّ البشريّ والحساسيّة الثقافيّة المتناقضة. تصف شحبري حالة من التحدّي التي نشأت بين مصمّمي المواد الإعلاميّة المنشورة في شبكة الانترنت، وصنّاع القرار في السلطات الصحّيّة في العالم فيما يتعلّق بلقاح فيروس الورم الحليميّ البشريّ (HPV)، بسبب الجدل العلميّ والعامّ بشأن سلامة اللقاح وفاعليته، بالإضافة إلى المخاوف الجنسيّة والأخلاقيّة المتعلّقة باستخدامه. وقد هدفت في دراستها إلى “استكشاف مدى مراعاة الحساسيّة الثقافيّة عند إعداد المواد الإعلاميّة التوضيحيّة بشأن لقاح فيروس الورم الحليميّ البشريّ، التي يجري نشرها على المواقع الالكترونيّة للسلطات الصحّيّة الإسرائيليّة”.
وتتناول هديل دياب، طالبة الدكتوراه في جامعة حيفا، في مقالها سلوك معلّمي المدنيات العرب في إسرائيل، خاصّة عندما تتناقض قيمهم الأخلاقيّة، القوميّة، الوطنيّة والشخصيّة مع السياسات الرسميّة العامّة الصادرة من وزارة التربيّة والتعليم الإسرائيليّة. تستحضر دياب أحد أهمّ الأمثلة التي تعكس المعضلة الأخلاقيّة لدى معلّمي المدنيّات العرب في إسرائيل، ألا وهي السرديّة الفلسطينيّة حول النكبة، والتي تنعكس في الإحياء السنويّ لذكرى النكبة الذي يقيمه الفلسطينيّون في إسرائيل في الخامس عشر من أيّار كلّ عام منذ أواخر سنوات التسعين.
وفي محور مراجعات الكتب، يضع عزّ الدين أسعد، الحاصل على درجة الماجستير في الدراسات الإسرائيليّة من جامعة بير زيت، بين أيدينا، قراءة في كتاب “قانون أساس إسرائيل الدولة القوميّة للشعب اليهوديّ: الوقائع والأبعاد” لهُنيدة غانم. يوضّح أسعد أهمّيّة الموضوع من خلال تصريحه بأنّ قانون القوميّة جزء أساسيّ من المركّب الصهيونيّ والعقليّة الاقصائيّة الإسرائيليّة، وما يحقّقه قانون القوميّة أخطر وأعمق من جريمة أبرتهايد أو تحوّل في مبنى الحكم الإسرائيليّ باتّجاه اليمين الصهيونيّ الشعبويّ، ويقول إنّ ما يحقّقه قانون القوميّة هو تطهير الفلسطنة. أمّا أهمّيّة الكتاب تنبع من تفكيكه لهذا الخطاب الاستعماريّ، وتبيين خطره على الشعب الفلسطينيّ من خلال نبش كلّ مواطن العنصريّة والاستشراق فيه بهدف الوقوف على الشرخ القانونيّ والأخلاقيّ والإنسانيّ في قانون القوميّة مقارنةً بالتشريعات الدوليّة الإنسانيّة.