من ساعة لساعة فرج
الشيخ كمال خطيب
لعله الإجماع على صعوبة المرحلة وشدة الكرب والبلاء الواقع على الأمة. ومن شدة البلاء وكثرة المآسي والفتن والابتلاءات والهموم،فإنه اليأس يتسلل إلى نفوس البعض،قد يوصلهم إلى درجة الإحباط والسوداوية من أن هذا الحال لن يتغير وأن صوت الباطل أصبح هو الأعلى،وأن الحق يلفظ أنفاسه الأخيرة،وكيف لا وقد التقت أحقاد الأعداء مع خيانة الملوك والأمراء مع ضلالة العلماء مع تطاول السفهاء.
لكن ومن وسط دياجيرهذا الظلام،ومن بين حُطام وركام هذا الظلم،فإنها أنفاس المؤمنين الصادقين.ورغم أنهم هم المستهدفون،ورغم أن سهام الكيد مصوبة إليهم،وأنهم هم ضحايا هذا الحقد الأسود،إنها أنفاسهم الطاهرة وبريق عيونهم المؤمنة تبعث في الأمة الأمل والثقة واليقين، ولسان حالهم يقول:{لا تحزن إن الله معنا}.
يبقى هؤلاء الذين يرفعون الراية ويتقدمون المسيرة،ولا يحيدون عن المنهج،ولا تتفرق بهم السبل،ولا يخطف أبصارهم زيف بريق الباطل وبهرجه،لا يقيلون ولا يستقيلون.فرغم الذي ينزل بهم فإنهم يظلون على أمل بالفرج ورفع الكرب. وإن هذه المرحلة وما أصعبها فإنها تكون بالنسبة لهم مرحلة وفترة عبادة وقربى لله تبارك وتعالى. عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يُسأل،وأفضل العبادة انتظار الفرج”. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:”انتظار الفرج من الله عبادة”.
وإنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه ابن عمه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:”واعلم أن النصر مع الصب،وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا”. فقال الإمام علي شارحًا ما فهمه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم( عند تناهي الشدة تكون الفرجة وعند تضايق البلاء يكون الرضا ومع العسر يكون اليسر). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”كلمات الفرج،لا إله إلا الله الحليم الكريم،لا إله إلا الله العلي العظيم،لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم).
إننا نعلم ونسمع كم يتساءل المسلمون في هذه الأيام أيام الكرب والبلاء والظلم وتسلط الأعداء وخيانة الأمراء وضلالة العلماء،إنهم يتساءلون هل بعد هذا الليل من فجر،هل بعد هذا الكرب من فرج، إنه الشاعر يجيبهم :
لا تيأسن إذا ما ضِقْتَ من فرج يأتي به الله في الروحات والدّلجِ
فما تجرّع كأس الصبر معتصم بالله إلا أتاه الله بالفرج
وقال آخر :
ألا أيها الشاكي الذي قال مفصحا لقد كاد فرط اليأس أن يُتلف المهج
رويدك لا تيأس من الله واصطبر عسى أن يوافينا على غفلةٍ فرج
نعم لنكن على ثقة ويقين بوعد الله سبحانه وتعالى الذي أمر العباد كله.وإنها يد الله سبحانه التي تعمل بالخفاء وبالطريقة التي لا يعرفها المخلوقين الضعفاء رغم عظم مكرهم وكيدهم{ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين }،{ إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا}.
قال أحد العلماء ممن وقع عليه الظلم العظيم من الحجاج وهو يحدث عن نفسه كيف كان ينتظر الفرج،شعاره قول رسول الله صلى الله عليه وسلم”وانتظار الفرج من الله عبادة”.وقول الحكيم: ( من ساعة لساعة فرج). وإنه أبو عمرو بن العلاء يقول:كنا هاربين خوفا من بطش الحجاج وظلمه، فمررت على رجل يقول:
ربما تجزع النفوس من الأمر له فرجةٌ كحل العقال
أي ربما يكون فرج الأمر الصعب العسير أهون وأسرع من حل عقدة حبل.يقول أبو عمر:فاستظرفت قوله”فرجة” فما هي إلا مدة قصيرة إلا وسمعت قائلا يقول مات الحجاج، فما أدري بأي الأمرين كنت أشد فرحا،بموت الحجاج أم بما سمعته من قول الشاعر:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنها لا تفرج
فلنكن على ثقة ويقين ما دمنا على الحق بأن الله سبحانه وتعالى سيجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا علينا ألا نيأس ولا نجزع ولا نقنط،بل علينا بالصبر والثبات على دين الله سبحانه.ورغم أن في هذا الألم والمعاناة والقهر من تسلّط الأعداء،إلا أنها تكون حالة عبادة وطاعة لله ونحن ننتظر الفرج عاملين لدين الله مناصرين للحق، رافعين لواءه مهما نزل بنا من ظلم،ونكون مطمئنين أنه ما بين غمضة عين وانتباهتها يغير الله من حال إلى حال،وأنه من ساعة لساعة فرج. فنحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
دموع المظلومين
هكذا هي طبيعة الصراع بين الحق والباطل،بين الخير وبين الشر،بين الإيمان وبين الكفر. إنه الصراع الدائم والمستمر فيه يستخدم الباطل والشر لكل إمكاناته،وينزع القناع،ويسفر عن وجهه الحاقد. ولإنها الحرب بالنسبة له،فإنه لا مكان للأخلاق وللمشاعر. إنه الباطل وإنه الشر يوقع الأذى والظلم بمن يواجهه،ولأنه يملك القوة والإمكانات،فإنه لا يلتفت أبدا إلى ضحاياه ولمن نالهم الأذى بسببه ويظن أنها طبيعة الصراع وأنها شكل من أشكاله.
إن الباطل وإن حزبه ورجالاته وطواغيته يتعاملون بمنطق القوة مع الضعفاء،وينسون أن صاحب القوة العظمى لا يغفل ولا ينام،ولا تأخذه سنة ولا نوم،وأنه سبحانه هو الذي قال{ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون}. إنهم ولشقائهم يظنون أنه ما دام الضعفاء والمظلومين غير قادرين على الرد،فإنها الصفحة التي طويت وإنها الجولة التي حسمت،وانتصروا فيها ناسين أو جاهلين وما أجلهلهم وما أغباهم، إن الله سبحانه يقول{إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار}. وإنه النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته”.
قال أديب الإسلام والعربية مصطفى صادق الرفاعي رحمه الله( إن دموع المظلومين هي في أعينهم دموع،لكنها في يد الله صواعق يضرب بها الظالم).نعم إن دموع المظلوم صواعق بها الله سبحانه يقول للمظلوم”وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين” تتحول وتنزل على الظالم الذي تجاوز المدى.
إنها دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب،إنها دعوة المقهور الذي تتحول زفراته وأناته ودموعه إلى سلاح دمار شامل ينزل على الظالم،وكيف لا وهو الذي استنجد واستقوى بصاحب القوة العظمى الله سبحانه وهو يدعوه ويقول:( اللهم إن عبدك فلان قد استقوى عليّ بقدرته على ضعفي فأرني فيه قدرتك يا رب العالمين).
إنها دعوة المظلوم تتحول إلى صواعق وكوابيس وعذاب ينزل على الظالم فيشقيه ويعذبه.وقد يسخر السفهاء من هذا الفهم وهم يرون الظالمين يصولون ويجولون،ولسان حالهم يقول:إنهم كلما ظلموا أكثر كلما زاد عطاء الله لهم أكثر،وينسون أن هذا من سوء حظهم،وأن الله يؤجل لهم العقوبة حتى إذا لم يرجعوا كان أمر الله الذي يرد عن القوم الظالمين.
إنها نار الظلم تحرق صدورهم وتقض مضاجعهم كما في القصة الرمزية الشعرية عن سليمان عليه السلام مع الهدهد:
وقف الهدهد في باب سليمان بذلة
قال يا مولاي كن لي عيشتي صارت مُمِلة
متّ من حبة بُرٍّ أحدثت في الصدر غُلّة
لا مياه النيل ترويها ولا أمواج دجلة
وإذا دامت قليلا قتلتني شر قِتلة
فأشار السيد العالي إلى من كان حوله
تلك نار الإثم في الصدر وذي الشكوى تعلةّ
ما أرى الحبة إلا سرقت من بيت نملة
إنّ للظالم صدرا يشتكي من غير علّة
هذا الألم والعقاب نزل بالهدهد من سرقة حبة قمح من بيت نملة كما فهم سليمان عليه السلام الألم في صدر الهدهد،فكيف بمن قتل وسجن وطارد واغتصب وجرح وشرد.وكيف بمن يتّم ورمّل وثكّل.وكيف بمن أهان الشرفاء وأذل العلماء.وكيف بمن سرق الحكم واغتصب البلاد،وبالحديد والنار حكم العباد.وكم كانت جميلة تلك العبارة التي قالها الرئيس أردوغان قبل أيام مذكرا الظالمين والطواغيت وإن لم يسمّهم بالإسم،لكن المقصود كان واضحا أنهم حكام العرب والمسلمين لمّا قال(لا تتهاون بآهات المظلوم فإنها ترتد إليك أضعافًا). فإياكم أيها الظلمة من دموع المظلومين،إنها صواعق سترتد إليكم.
الأمارات ظهرت في الإمارات
إنّ ما وقع من ظلم وشر وأذى طال البلاد والعباد من قبل حكام الإمارات الذين أعلنوها حربا سافرة على الله سبحانه وعلى دينه وعلى دعاته.انهم الذين أعماهم مال الله الكثير الذي وقع بين أيديهم من خير الله المدفون في أعماق أرضهم وظنوا وقالوا كما قال فرعون{ إنما أوتيته على علم عندي}. وكأنهم هم أصحاب قرار وجود النفط في بلادهم وليس هو من رزق الله ساقه إليهم .
إنهم ذهبوا بعيدا في فسقهم وظلمهم،فتحولت بلادهم إلى المراكز الأولى عالميا في الإنحراف الأخلاقي.فهم في المركز الأول عالميا في محلات المجون والخلاعة،وهم في المراكز الأولى في تجارة نساء وفتيات البغاء والرذيلة يستوردونها من روسيا وأوكرانيا وغيرها كما تستورد البضاعة. إنهم في المركز الأول في القمار وفي الربا،وإنهم في المركز الأول في مقر الشركات اليهودية والإسرائيلية التي تمول شراء وسلب وسرقة البيوت العربية في القدس الشرقية وأحيائها،وإنهم في المركز الأول في وصول رجال الموساد الإسرائيلي حيث هناك يسرحون ويمرحون،وما اغتيال الشهيد المبحوح عنا ببعيد.
والأخطر من ذلك أنهم في المركز الأول في محاربة المشروع الإسلامي.إنهم يناصبون الدعاة العاملين العداء،وإنهم يعادون جماعة الإخوان المسلمين،وإنهم يعلنون الحرب على غزة العزة ويعتبرون مقاومتها إرهابا وما قاموا به من مبادرة لتحريض السعودية على حصار قطر واشتراط رفع الحصار بطرد قيادات حماس وقيادات الإخوان المسلمين من قطر لإنهاء المقاطعة إلا تأكيد على حقارة هؤلاء ولؤمهم.
ولقد وصل بهم الأمر إلى أن يعلنوا عن الشيخ العلامة يوسف القرضاوي شخصية إرهابية ومطلوب للعدالة وهو ابن التسعين والشيخ الجليل وصاحب العلم الواسع،وهو الذي سبق وكُرّم في الإمارات نفسها عام 2000 وهو رئيس ومؤسس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
وفي المقابل فإنها الإمارات التي رحبت وأقامت احتفالا،استقبلت فيه الراهب البوذي ” موراري بابو” الذي حل ضيفا على الجالية الهندية في الإمارات،فرحبت به الإمارات ترحيبا رسميا في أفخم فنادق أبو ظبي،لا بل إن أميرا إماراتيا ألقى كلمة فيه أدّى التحيّة للاله البوذي راما.
بربكم أليس هذا زمن العجائب،زمن الشقلبات وزمن انقلاب الموازين. أليس هذا زمن السفهاء والرويبضات الذين يتكلمون في الناس. أليس هذا زمان لكع بن لكع، اللئيم ابن اللئيم، والخسيس ابن الخسيس. أليس هذا الزمان الذي فيه يتجرّأ الصبيان على الكبار ويتطاول اللئيم على الكريم؟
الإمارات مفتحة الأبواب وتستقبل بالأحضان كاهن بوذي،بينما تقاطع قطر وتحاصرها لأنها تستقبل الشيخ القرضاوي.
هذا حال أعوج لن يدوم ولا بد أن يستقيم،وهذا ما سيكون فنحن إلى الفرج أقرب،فأبشروا
رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.