شيخ جامع “الزيتونة”: صلاة التراويح ستعمر بيوت الأمة ولعلها نعمة
أكد الإمام الأول لجامع الزيتونة في تونس، هشام بن محمود، أن صلاة التراويح بجامع الزيتونة كانت من أجمل الأمور في رمضان، إلا أنه مع إلغائها في المساجد في معظم البلدان المسلمة مع ما يعيشه العالم اليوم جراء انتشار فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد-19)، سيجعل بيوت المسلمين في كل مكان تعمر بذكر الله.
وأضاف “بن محمود”، في مقابلة مع الأناضول، أن الجميع يتهيأ لعالم جديد لن يكون فيه طغيان؛ فالإنسان الذّي يمتلك الثروة الطائلة اليوم يجد نفسه غير محتاج لها وكل شيء متوقف.
وشدد على أن “الوباء الذّي حل بنا ليس انتقامًا من الخالق، وإنما هو تذكير يعود بالإنسان إلى حقيقته حتى لا يطغى.”
وتابع: “ما كنا نتوقع أن يتوقف الطواف حول الكعبة الشريفة أو أن تتعطل زيارة النبي أو الصلاة في المسجد الأقصى، ولا أن تتوقف الصلاة برابع المساجد جامع الزيتونة”.
وأجبرت الجائحة دول العالم على غلق الحدود، تعليق رحلات الطيران، تعطيل الدراسة، فرض حظر للتجوال، إلغاء فعاليات عديدة، منع التجمعات العامة، وإغلاق دور العبادة.
رمضان.. فرصة للعودة
زاد “بن محمود” بقوله: “اليوم يعود الإنسان إلى مسلك النبي محمد، الذّي علمنا أن الدنيا متاع غرور، لذلك وجب علينا تصحيح المسارات خلال الشهر المبارك.”
وتابع أن “تجليات العبادة ستكون عميقة في شهر رمضان، والمسلم سينتعش باختلائه بربه وانفراده به وبالدعاء إليه وبطلب اللطف والاستجابة”.
واعتبرها “مناسبة لطلب المغفرة واللطف بهذه الأمة، التي شُتت شملها وانتكست أعلامها ودمرت عواصمها وحضاراتها واقتصادها وفكرها وشبابها، لعلها تكون لحظة تعود فيها الأمة إلى الجادة وسواء السبيل”.
وأضاف: “نأمل أن يكون رمضان هذه السنة على الأمة الإسلامية في العالم أجمع عربون فرج وزوال للكرب الذي تعيشه الإنسانية قاطبة، وله تأثير كبير في أنفس البشر، أما المؤمنون فيزدادون إيمانًا مع إيمانهم، وستكون لحظات للتجلي”.
كما اعتبرها “فرصة كبيرة للجميع، في بيوتهم وحياتهم الخاصة، للعودة إلى المولى، والوقوف وقفة تأمل، بعد أن غرت الدنيا الجميع، وشُغلوا بأموالهم وأهلهم”.
لا للبحث عن عذر للفطر
عن الجدل الفقهي، الذّي عاشت على وقعه تونس مؤخرًا حول إجازة الفطر من عدمها بسبب انتشار الفيروس، قال “بن محمود” : “في رمضان وجب مراجعة أنفسنا بشكل متجدد، وأن لا نتاجر مع الله كالبحث عن عذر للفطر في رمضان.. وهذه مأساة الأمة”.
وأردف أن “جامع الزيتونة كان موقفه واضحًا وصريحًا، وهو أن يكون صيام رمضان المعظم فرضًا واجبًا على كل مسلم بالغ، عاقل، مقيم، قادر.”
وتابع: “تيسيرًا منه سبحانه على أمته ورحمة بالضعاف منها، أوجب لبعض أصحاب الأعذار الفطر في رمضان، كالحائض والنفساء، ورخص للبعض الآخر الفطر، كالمريض والمسافر لقوله تعالي: فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ”. (البقرة- الآية 185).
واستطرد: “وأما بالنسبة للمريض الذي يشكو من مرض ما فله الفطر بعد استفتاء نفسه وأهل الاختصاص من الأطباء، علمًا بأن الوضع الذي نعيشه اليوم بانتشار هذا الوباء بشكل أرعب وأخاف لا يبيح الفطر ولا يجيزه إلا في حالات الاستثناء، التي تدخل في حكم المريض، وذلك اعتمادًا على رأي الأطباء حالة بحالة دون تعميم”.
وباء كوليرا
استحضر “بن محمود” حادثة انتشار وباء كوليرا، الذّي عانت منه تونس أواسط القرن 19، بقوله: “أنا أجلس في المكان الذّي جلس فيه الشيخ إبراهيم الرياحي سنة 1845، حين أودى وباء كوليرا بآلاف من التونسيين، وأباح الرياحي حينها الإنزواء، أي الحجر، وقام ملك تونس في ذلك الوقت بالحجر الصحي في الضاحية الشمالية، لكن الناس لم يفطروا في رمضان .”
وتابع: “في المولد النبوي الذّي تزامن مع تلك السنة استجار الرياحي بالصالحين والسادة الأشراف، وأقام حفل المولد ومرت الأمور بسلام.”
وشدد على أن “حالات الإفطار هي حالات خاصة، والفطر هو رخصة واستثناء وليست قاعدة عامة، وإباحته لها شروط، وبالتالي فإنه إجازة الفطر بسبب وباء معارض للدين.. اتخاذ هذا الوباء مقصدًا للإفطار هو أمر سلبي جدًا.”
التراويح وموائد الإفطار
وعن صلاة التراويح، التي تم إلغاء أدائها في الجوامع كغيرها من الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، قال “بن محمود” إن “صلاة التراويح بجامع الزيتونة كانت من أجمل الأمور في رمضان مع تجلياتها، وإلغاؤها له أثر كبير على التونسيين.”
وتابع أن “صلاة التراويح، وبعد أن كانت مقتصرة على بيوت الرحمان، فهي اليوم ستعمر بيوت الأمة جمعاء، ولعلها نعمة من الله، وهي مناسبة كريمة ليعود ذكر الله وتجلياته وأنواره وأسراره”.
كما أن موائد الإفطار، التي كانت تطعم فقراء ومحتاجين في شهر رمضان، قد ألغيت هي الأخرى، لتجنب الاختلاط بين الناس.
وقال “بن محمود” إن “موائد الإفطار تُعوض بالدعم المادي، ليجد المحتاج ما يطعم أبناءه؛ لأن الاختلاط قد يحدث مصيبة على الأمة، وخاصة على الضعاف”.
وشهدت تونس ودول أخرى، بينها مصر، احتجاجات من بعض الأهالي على دفن موتى أصيبوا بــ”كورونا” في مقابر بمناطقهم، خوفًا من انتشار الفيروس.
واعتبر “بن محمود” أن هذه الاحتجاجات هي “استثناءات، فالميت يُصان، وهناك إجراءات طبية تتم لتجنب العدوى، ومن حقه أن يُدفن في مقابر المسلمين، وهو واحد منا، فكل شخص يمكن أن يُصاب بالفيروس”.
الكعبة دون طواف
تطرق “بن محمود” إلى مشهد الكعبة دون طواف، وهو ما جعله يتذكر “رسول الله يوم الفتح الأكبر (مكة)، الذّي كان في السنة 8 للهجرة منتصرًا مكسرًا الأصنام ناشرًا العدل ملبيًا لنداء ربه، والمشهد حول البيت الحرام”.
وأضاف: “ما كنت أتصور أن نعيش هذه اللحظة المؤثرة، فما يشدنا إلى الرسول من حب وولاء يجعل عقولنا وأجسادنا وأبصارنا وقلوبنا وأفئدتنا تتمنى أن تسلم عليه، ولو ليس بذواتنا ولكن بمن ينوب عنا (في إشارة إلى الحجاج والمعتمرين) .”
ودعت السعودية إلى التريث في “إبرام عقود الحج”، حتى تتضح الرؤية بشأن “كورونا”، وكانت قد علقت أداء العمرة، لتجنب انتشار الفيروس.
وأصاب “كورنا”، حتى صباح الخميس، أكثر من مليونين و639 ألف شخص في العالم، توفي منهم ما يزيد عن 184 ألفًا، وتعافى أكثر من 722 ألفًا، وفق موقع “Worldometer” المختص برصد ضحايا الفيروس.