مسجد حسن بيك بيافا.. معلم إسلامي تاريخي يقاوم التهويد
يعتبر مسجد حسن بيك، أحد المعالم الإسلامية التاريخية الفلسطينية التي تتجذر في أرض مدينة يافا المحتلة، وهو يقاوم التهويد واعتداءات الاحتلال المتواصلة، ويرتبط بالعديد من محطات العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني.
الاستيلاء على المسجد
أقيم المسجد في أرقى وأكبر أحياء مدينة يافا القديمة، في قلب حي المنشية شمال المدينة، شيده حاكم يافا في حينه القائد العثماني حسن بيك الجابي الدمشقي عام 1914، قرب شاطئ البحر المتوسط، وبقي شامخا، شاهدا على عراقة هذه المدينة؛ التي عرفت بـ”عروس البحر”.
إمام وخطيب مسجد حسن بيك، الدكتور أحمد محمد أبو عجوة، أوضح أن “الوالي العثماني، كانت له نظرة لحالة التمدد العمراني لمدينة يافا التي كانت مزدهرة اقتصاديا في ذلك الوقت، وبالتالي كان لا بد من إيجاد مسجد يخدم أهل هذا الحي المزدهر، وبعد بناء المسجد، قام المجلس الإسلامي الأعلى بإتمام عمارته على النحو الأكمل والأتم”.
وأضاف في حديث مع “عربي21”: “كان المسجد على تماس مع ما يعرف اليوم بـ”تل أبيب”، التي لم تكن في ذاك الزمان سوى حي صغير بجانب يافا العريقة التي يعود تاريخها لأكثر من 5000 عام، وبالتالي كان الفلسطينيون على تماس مع المستوطنين الذين هاجروا إلى أرض فلسطين المباركة”.
ونوه أبو عجوة، إلى أن “المسجد كان يقوم بدوره ورسالته كمعلم رئيس حتى عام 1948، وبعد مقاومة باسلة واستماتة من أهل المنشية في الدفاع عن المدينة لصد هجمات العصابات الصهيونية التي لم تتمكن من اقتحام الحي، قامت بقصف المركز بقنابل الهاون، وتدمير ممنهج للأحياء الفلسطينية، حتى سقط الحي بيد تلك العصابات”.
وأوضح أن “مسجد حسن بيك كان ضمن عشرات المساجد التي دمرت وأغلقت عام 1948، أغلق واستعمل لغايات معينة في خدمة الصهاينة، وبعد ذلك أهمل واستخدم إسطبلا للخيول، ووكرا لممارسة الفاحشة وتعاطي المخدرات على يد العصابات الإجرامية الصهيونية، إضافة لمحاولات بيع المسجد وتحويل جزء منه إلى حوانيت تجارية ومتحف، في تلك المنطقة الحيوية”.
وأشار إمام المسجد، إلى أن “شقيق الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيرز، سعى لتملك هذا الوقف (المسجد)، رغم أن ما يسمى القانون الإسرائيلي يعتبر أن تلك الأماكن لها خصوصية، ولكن هذا كلام يسطر على الورق، وفي المحصلة فعل فيه الكيان الصهيوني ما فعل في المساجد والمقابر”.
تحفة معمارية إسلامية
وفي ظل هذا الواقع المرير الذي مر به هذا المعلم الإسلامي، “بدأت تحركات جدية في أواخر السبعينات من أهالي يافا وبمؤازرة من أهلنا في الداخل الفلسطيني والعالم الإسلامي والعربي، وبدأت عمليات المحافظة على المسجد، بعد إجبار الجانب الرسمي الصهيوني على إرجاعه لأهله، ومن ثم شرع في خطوات حثيثة لإقامة الصلاة وصلاة الجمعة، وبعدها شرع تدريجيا بترميم المسجد، حتى وصل المسجد إلى ما هو عليه اليوم؛ تحفة معمارية إسلامية”.
وأوضح أبو عجوة أن المسجد يقع على مساحة نحو 2000 متر مربع، بني على النمط العثماني وبشكل متواز، فكل جانب يقابله جانب آخر يوازيه بشكل هندسي باستثناء المآذن التي لم يبق منها سوى واحدة أعيد بناؤها بعد تفجيرها بفعل فاعل في الثاني من نيسان/أبريل 1983، بطول 27 مترا، وهو مسجد معلق، يصل إليه بعدة دراجات، ويحتوي على ساحة خارجية ونافورتي ماء للوضوء، وقاعة للصلاة الرئيسية، والعديد من الأروقة”.
وتابع: “تحيط بالمسجد حديقة، إضافة لقاعة رياضية ومدرسة ومكتبة وقاعات ومرافق أخرى أسفل المسجد، ومن هنا يتضح أن مسجد حسن بيك، هو مؤسسة دينية تربوية ثقافية رياضية، تؤدي رسالتها بشكل كامل”.
وعن المخاطر التي تهدد المسجد مع محاولات الاحتلال المستمرة تهويد كافة المعالم الإسلامية بفلسطين المحتلة، أكد أبو عجوة، أن “مسجد حسن بيك مستهدف منذ عام 1948، وتشريد أهلنا في حي المنشية وحتى يومنا هذا؛ وتتنوع أشكال الاستهداف، التي تبدأ من العداء السافر من قبل المؤسسة الإسرائيلية لكل ما هو إسلامي وعربي وفلسطيني، وخاصة فيما يتعلق بالحقوق والعودة والذاكرة والتراث”.
صور الاستهداف متنوعة
ونبه أن “وتيرة الاستهداف والاعتداءات والمخاطر التي تعرض لها المسجد، كانت تتفاوت من فترة لأخرى، ولكن الخطر الرئيس، تمثل في محاولة إزالة المسجد بشكل كلي، ولكن عندما واجه الاحتلال الصمود والتحدي الشرس من أهلنا، بدأت المؤسسة الصهيونية باستخدام وسائل أخرى للتضييق تحت مظلات مختلفة، منها؛ إلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة بشكل متكرر لإحراق المسجد”.
وفي “عام 2000 كانت هناك محاولة من قبل ألفي مستوطن أحاطوا بالمسجد لإحراقه بمن فيه، حيث تواجد فيه أكثر من 30 شابا من يافا، هبوا للدفاع عن المسجد بعدما علموا بالمخطط الصهيوني”، بحسب خطيب المسجد الذي لفت إلى أن “الاعتداءات اتخذت صورا أخرى منها؛ إلقاء صهاينة رأس خنزير في ساحة المسجد”.
وأكد أن “اعتداءات الاحتلال على مسجد حسن بيك، مستمرة ولم تتوقف، والزعم أنها أعمال فردية يكذبه أنه حتى اليوم لم يتم القبض أو محاكمة أي صهيوني ممن اعتدى على المسجد”، منوها أن “الطريقة العدوانية في تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع مسجد حسن بيك، تشي أنه يؤرقهم ويقض مضاجعهم بما يمثله من تاريخ وهوية وحضارة راسخة كالوتد في مدينة يافا”.
وأشار إلى أن “كل من يأتي لزيارة ما يسمى “تل أبيب”، يشاهد مسجد حسن بيك الذي تحيط به الفنادق المزدحمة بالسياح، وهو المعلم الذي يسبق تاريخيا تاريخ المنطقة ككل، ويثير العديد من التساؤلات لدى هؤلاء السياح عن المسجد والهوية والتاريخ ومن كان يقيم هنا، وما الذي حدث وأدى إلى تحول الأمور”.
ونبه خطيب المسجد في حديثه لـ”عربي21″، أن “المخاطر التي تحيط بالمسجد منذ نكبة فلسطين وحتى اللحظة، بداية من المؤسسة الإسرائيلية الظالمة وممن يدعون أنهم متطرفون، كلها تنطوي تحت مظلة التوجه الرسمي لتلك المؤسسة تجاه مسجد حسن بيك تحديدا، وصوب المقدسات والمساجد والمقابر والمعالم الإسلامية المختلفة في الأرض المباركة”.
وبشأن أعمال الترميم التي يحتاجها المسجد وموقف الاحتلال منها، قال: “نحن لا ننتظر من المؤسسة الإسرائيلية أن تعطينا حقوقنا، فالحقوق تنتزع ولا تعطى، ولكن رغم كل العقبات التي تضعها تلك المؤسسة، إلا أننا بلغة التحدي والنفس الطويل، ننتزع حقوقنا، من أجل الحفاظ على هذا المعلم الإسلامي العربي الفلسطيني”.
المصدر: عربي 21