ميكي ماوس.. الفأر الذي أسر قلوب الجميع
ثمة حِكَمٌ وأمثال شعبية كثيرة تشكر المصائب لأنها، أحيانا، تشقّ الطريق للنجاحات الباهرة. ربما لا تَصْدُقُ هذه الأمثلة مثلما تصدُقُ على الشخصية الكرتونية ميكي ماوس.
ففي سنة 1927، وبعد رحلة مضنية بدأت استوديوهات ديزني، الناشئة آنذاك، في تحقيق نجاح ملموس بعد كفاح طويل من الأخوين والت وروي. كان والت قد نجح في تصميم شخصية كرتونية جديدة هي “الأرنب المحظوظ أوزوالد”، الذي بدأ يحصد نجاحا ملحوظا ويذيع صيتها.
كانت استوديوهات ديزني، الناشئة وقتها، في شراكة مع شركة أكبر هي “يونيفرسال”، وبسبب قلة خبرة والت في شؤون الإدارة وعالم البيزنس، فقد استحوذت “يونيفرسال” على حقوق الأرنب أوزوالد، كما استولت على العاملين في استوديوهات ديزني.
هكذا فتح الأرنب المحظوظ باب التعاسة على مُبْتَكِرِهِ والت ديزني، الذي وجد نفسه وحيدا مع شقيقه روي وفناني الرسم والتحريك “يو بي إيوركس” و”ليس كلارك” و”ولفريد جاكسون”، رفاق الدرب المخلصين، الذين أصروا على البقاء معه تاركين استوديوهات يونيفرسال. عادوا جميعا إلى هوليود ليبدأوا من الصفر مرة أخرى. كان والت مدركا أنه لا بد من ابتكار شخصية أخرى تحقق النجاح الذي حققه الأرنب أوزوالد.
هنا تتعدد الروايات حول ابتكار شخصية ميكي ماوس، وتختلف باختلاف مصادرها الصحفية. بعضها تروي أن والت ديزني ركب القطار عائدا إلى هوليود بعد أن خسر كل شيء تقريبا، وبينما كان يفكر في شخصية بديلة راح يرسم بعض الدوائر بطريقة عابثة، فظهر وجه ميكي ماوس وأذناه. هكذا أثمرت المحاولة عن ولادة ميكي ماوس في ذلك القطار المتجه إلى هوليود.
تقول رواية أخرى إن والت طلب من صديقه إيوركس أن يبتكر بعض الشخصيات الكرتونية، فرسم قطة وكلبا وبقرة وحصانا وضفدعا، لكنها لم تَنَلْ قبول استوديوهات ديزني وقتها، لكنها استُخدِمت بعد ذلك كشخصيات ثانوية مع ميكي ماوس لاحقا. وفق هذه الرواية استلهِم إيوركس تصميم ميكي ماوس من فأر أليف عاش في مكتب سابق، كان والت يعمل فيه قبل تأسيس شركته مع أخيه.
وتحكي رواية ثالثة أن والت وأصدقاءه اجتمعوا في جلسة عصف ذهني لتصميم بديل لأوزوالد، فاختاروا تعديل الأرنب ليصبح فأرا. قصّروا أذنيه وأضافوا بعض الحشو لخصره؛ هكذا أطل علينا ميكي ماوس.
أيّا كانت الحقيقة، لولا الضربة القاصمة التي وجّهتها يونيفرسال لديزني لما ظهر، على الأرجح، ذلك الفأر الذي أسر قلوب الجميع.
لكنّ كفاح والت ديزني قصة أخرى، لا بد لها من مساحة خاصة تتأملها باستفاضة.
نعود إلى ميكي ماوس، الذي اتفقت الروايات كلها على أن والت سمّاه أولا مورتيمر ماوس، ثم اقترحت عليه زوجته ليليان أن يسميه ميكي ماوس، لأنّ مورتيمر أقلّ قبولا بين الناس، فأخذ والت باقتراحها.
وُضِعَت اللمسات الأخيرة؛ ميكي ماوس فأر منتصب القامة، يتصرف مثل البشر، يرتدي البنطلون الأحمر والحذاء الأصفر والقفاز الأصفر، حتى تتميز يداه عن جسده الأسود إذا تحرّكتا في نطاقه.
في ربيع سنة 1928 ظهر ميكي ماوس في فيلمه القصير الأول “الطائرة مجنونة”، وفشل في لفت انتباه رواد السينما. ثم ظهر بعدها بشهور في الفيلم الثاني “جالوبين جوتشو” فلقي المصير ذاته. كانت السينما صامتة، وربما كان ذلك من أسباب الفشل، فطبيعة أفلامه مرتبطة بحركة المشاهد، وهي تخلو من الحوار وتتكئ على جوهر الحركة في السينما؛ تتلاحق الأحداث والمفاجآت آخذة منحى فانتازيّاً مباغتا، لا يكاد يستغني عن الموسيقى التصويرية التي تقوّي الأحداث وتبرز مراحلها والفواصل بينها.
حين ظهرت الأفلام الناطقة بعد ذلك، استغلها والت أفضل استغلال، في الفيلم الثالث لميكي ماوس “السفينة البخارية ويلي”. كان أول أفلام الكرتون التي تستخدم الصوت بشكل متزامن مع الحركة. عُرض الفيلم يوم 18 نوفمبر 1928، وكان نجاحه مدويا، حتى إنه اعتبر يوم ميلاد ميكي ماوس. وقد احتفل محبوه، بشتى أنحاء العالم، في هذا اليوم من سنة 2018 بعيد الميلاد التسعين لميكي، الذي بدا أنه يزداد مرحا وانطلاقا.
بلغ نجاحه أن أصبح الشعار الرسمي لشركة ديزني. وحين سُئل والت في لقاء تليفزيوني عن الشخصية الكرتونية الأقرب إلى قلبه من بين الشخصيات التي ابتكرها، أجاب بلا تردد: “ميكي ماوس بأذنيه السوداوين الكبيرتين”. ظل والت يشعر أن هذا الفأر هو منبع نجاحه، ربما نتفهم ذلك أكثر بعد تجربته مع الأرنب أوزوالد.
سنة 1929م دشّن والت نادي ميكي ماوس للمعجبين والمعجبات. وفاز بجائزة أوسكار فخرية سنة 1932 تكريما لابتكاره ميكي ماوس الذي لم يتوقف عن التألق، ولعب أدوار البطولة في ما يتجاوز الـ120 فيلما. ربما لا نحتاج الكثير من الجهد لإثبات شهرته، فيكفي أن الحلفاء اختاروا اسمه كلمةَ سرٍ لبدء العملية نورماندي أثناء الحرب العالمية الثانية.
وفي سنة 1978 نال ميكي ماوس نجمته في ممشى المشاهير في هوليود، ليكون الشخصية الكرتونية الأولى التي تنالها. وأصبحت صوره منتشرة على عدد هائل من السلع والبضائع، من التي نراها يوميا في متاجرنا في العالم العربي، فما بالنا بأمريكا؟
ظل ميكي محرّضا دائما على المرح والحب. فقد تزوج الممثل واين ألوين، الذي أدّى دوره، من الممثلة روسي تايلور التي أدّت صوت ميني ماوس سنة 1991، وظلا متزوجين حتى رحل ألوين عام 2009 ولحقت به تايلور في تموز/ يوليو الماضي.